مقام الإحسان والشهود ، وفيه وعد للمؤمنين المكاشفين بأن لهم من الله الأجر الأخروي في التوجه الصوري ؛ لأنه من عمل البدن ؛ فله الجنة ونعيمها ، وبأن لهم منه تعالى النور في التوجه المعنوي ؛ لأنه من عمل الروح والسر ؛ فله الجنة في الجنة ونعيمها ؛ وهو كشف الحجاب عن وجهه فعلا وصفة وذاتا ، وإراءته لهم الحقائق ، والملكوت على ما هي عليها.
نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الواصلين إلى العين دون القائمين عند الأثر ، والواقفين عند الباب.
وفيه : إن الغافل عن المرتبتين ، والتوجه اللائق بكل منهما محجوب عن الحق تعالى صورة ، ومعنى جميعا ؛ وهو تارك الصلاة الشرعية ، والغافل عن المرتبة الحقيقية محجوب عنه تعالى معنى ؛ فهو إنسان في صورة الحيوان ؛ لأنه له نعيما جسمانيا بحسب روحه الحيواني ، وليس النعيم الروحاني بحسب روحه الإضافي.
والروح الحيواني بالنسبة إلى الروح الإنساني (١) كالظل بالنسبة إلى ذي الظل ،
__________________
(١) قال سيدنا القونوي : قاعدة كلية تتضمن التعريف بكيفية تدبير الأرواح الأجساد وصورة الارتباط بين كل منها مع الآخر :
اعلم أن الارتباط الذي بين الروح الحيواني ، وبين المزاج الطبيعيّ الإنساني ثابت بالمناسبة ، كما أن الارتباط بين النفس الناطقة وبين الروح الحيواني إنما صح وثبت أيضا بالمناسبة ، ولو لا ذلك ما تأتي للنفس تدبير المزاج البدني لما بينهما من المباينة من جهة بساطة النفس ، وتركيب البدن ، وفرط كثرة أجزائه ، واختلاف حقائق ما تألّف منه.
فالبخار الذي في تجويف القلب ، وإن كان جسما فإنه ألطف أجزاء بدن الإنسان وأقربها نسبة إلى الأجسام البسيطة ؛ وهو كالمرأة للروح الحيواني.
والروح الحيواني : من حيث اشتماله بالذات على القوى الكثيرة المختلفة المنبثّة في أقطار البدن ، والمتصرفة بأفانين الأفعال والآثار المتباينة تناسب المزاج البدني المتحصّل من العناصر ، وما يتبعه من الخواص المعدنية والنباتية والحيوانية ، ومن حيث أنه قوة بسيطة متعلقة غير محسوسة مجعولة في ذلك البخار القلبي الذي قلنا أنه كالمرآة له تناسب النفس الناطقة ؛ وإنه أيضا كالمرآة لها : أي للنفس.
ونسبة النفس الجزئية الإنسانية إلى النفس الكلية ، نسبة الروح الحيوانية إليها من جهة الافتقار إلى المادة ، والتقيّد بها وملابسة الكثرة ، ومن جهات غير هذه المذكورة كخواص إمكانات الوسائط من الأفلاك والنفوس والعقول والشئون المعبر عنها بالأسماء.
ونسبة النفس الكلية إلى القلم الأعلى المسمّى بالعقل الأول ، والروح الكلي ؛ نسبة النفس الجزئية إلى النفس الكلية ، ونسبة الروح الكلي المشار إليه إلى جناب الحق سبحانه نسبة النفس الكلية إليه ؛ بل أقل