__________________
ـ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ)[الحشر : ١٠ ، ٩ ، ٨] ، وهؤلاء لا شك داخلون في مستحقي الفيء كالأولين ، والواو هاهنا للجمع ، ثم قال سبحانه : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)[الحشر : ١٠] ، ومعناه قائلين : ربنا اغفر لنا ولإخواننا ، فكذلك قوله سبحانه : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) يكون معناه : والراسخون في العلم يعلمون تأويل ما نصبت لهم عليه الدلائل ، ونحيت لهم إليه المذاهب من المتشابه قائلين : آمنا به ، ومن الشاهد على ذلك قول يزيد بن مفرّغ الحميري لما سامه عبّاد بن زياد أن يبيع عبده بردا في دين لزمه ، وحديثه في هذه القصة طويل ، وهو بعد مستفيض :
وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
فالرّبح تبكي شجوها |
|
والبرق يلمع في الغمامه |
وقوله : " وشريت" يريد : وبعت ، وهو من الأضداد ، وقوله : " والبرق يلمع" يريد والبرق أيضا يبكي شجوه لا معا في الغمامة : أي في حال لمعانه ، ولو لا أن المراد هذا لما كان لقوله : " والبرق يلمع في الغمامة اتصال بقوله : فالريح تبكي شجوها ، بل كان بعيدا منه قصيّا وغريبا أجنبيّا.
واذا كان ذلك سائغا في اللغة وجب حمله على موافقة دلالة الآية في وجوب ردّ المتشابه إلى المحكم ، فيعلم الراسخون في العلم تأويله إذا استدلوا بالمحكم على معناه ، ولو كان العلماء لا يعلمون شيئا من تأويل المتشابه ألبتّة ما كان لما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم علّم أمير المؤمنين عليهالسلام التفسير معنى ، لأن معنى التفسير والتأويل إنما يكون لما غمض ودقّ ولم يعلم بظاهره ، وهذه صفة المتشابه ، وأمّا المحكم الذي يعلم بظاهره فلا حاجة بأحد إلى تعليمه ؛ لأن أهل اللسان فيه سواء ، ولو لا أن الأمر على ذلك لما كان لدعاء النبي صلىاللهعليهوسلم لابن عباس بأن يعلمه الله التأويل معنى ؛ لأنا نعلم أنه لم يرد عليهالسلام تعليمه الظاهر الواضح ، فلم يبق إلا الغامض الباطن.
ومن وجه آخر : أن حقيقة الواو الجمع ، فوجب حملها على سنن حقيقتها ومقتضاها ، ولا يجوز حملها على الابتداء إلا بدلالة ، ولا دلالة هاهنا توجب صرفها عن الحقيقة ، فوجب حملها على الجمع ، حتى تقوم الدلالة ، وكان أبو حاتم السجستاني يقول : " إن الوقف على قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)[آل عمران : ٧] ؛ لأنه قد حذف من الكلام أمّا ، وكأنه تعالى قال : وأما الراسخون في العلم فيقولون آمنا به ، وزعم أنه إنما جاز حذفها ؛ لأنه قد جرى ذكرها وهو قوله تعالى :