وظفروا بملكها عمروس أسيرا ، فهدموا حصنها وغنموا وسبوا ما عجزوا عن حمله ، وحمل لأحمد من كنائس مالطة ما بنى به قصره الّذي بسوسة داخلا في البحر ، والمسلك إليه على قنطرة. فبقيت بعد ذلك جزيرة مالطة خربة غير آهلة ، وإنّما كان يدخلها النشّاءون للسفن ، فإنّ العود فيها أمكن أن يكون ، والصيّادون للحوت لكثرته في سواحلها والشائرون للعسل ، فإنّه أكثر شيء هناك.
فلمّا كان بعد الأربعين والأربعمائة من الهجرة عمّرها المسلمون وبنوا مدينتها ، ثمّ عادت أتمّ ممّا كانت عليه ، فغزاها الروم سنة خمس وأربعين وأربعمائة في مراكب كثيرة وعدد ، فحاصروا المسلمين في المدينة واشتدّ الحصار عليهم وطمعوا فيهم ، فسألهم المسلمون الأمان فأبوا إلّا على النساء والأموال. فأحصى المسلمون عدد المقاتلة من أنفسهم فوجدوهم نحو أربعمائة ، ثمّ أحصوا عبيدهم فوجدوهم أكثر عددا منهم ، فجمعوهم وقالوا لهم : إنّكم إن ناصحتمونا في قتال عدوّنا وبلغتم من ذلك مبلغا وانتهيتم حيث انتهينا فأنتم أحرار ، نلحقكم بأنفسنا وننكحكم بناتنا ونشارككم في أموالنا ، وإن أنتم توانيتم وخذلتمونا لحقكم من السباء والرق ما يلحقنا ، وكنتم أشدّ حالا منّا ، لأنّ أحدنا قد يفاديه حميمه ويخلصه من الأسر وليه ويتمالأ على استنقاذه جماعته. فوعد العبيد من أنفسهم بأكثر ممّا ظنّوا بهم ، ووجدوهم إلى مناجزة عدوّهم أسرع منهم. فلمّا أصبح القوم من اليوم الثاني غاداهم الروم على عادتهم ، وقد طمعوا ذلك اليوم في التغلّب عليهم وأسرهم ، والمسلمون قد استعدّوا في أكمل عدّة للقائهم ، وأصبحوا على بصيرة في مناجزتهم ، واستنصروا الله عزوجل عليهم وزحفوا وثاروا نحوهم دعسا بالرماح وضربا بالسيوف غير هاربين ولا معرجين ، واثقين بإحدى الحسنين : من الظفر العاجل أو الفوز الآجل. فأمدّهم الله تعالى بالنصر وأفرغ عليهم الصبر ، وقذف في قلوب أعدائهم الذعر ، فولّوا منهزمين لا يلوون ، واستأصل القتل أكثرهم ، واستولى المسلمون على مراكبهم فما أفلتهم منها غير واحد. ولحقوا عبيدهم بأحرارهم ووفوا لهم بميعادهم. وهاب العدوّ بعد ذلك أمرهم ، فلم