حصون لم ير مثلها. فقال الحميري أبياتا يذكر ما دخل على حمير من الذلّ [بسيط] :
بدمعها لن تردّ العين ما فاتا |
|
لا تبكين أسفا في أثر من ماتا |
أبعد سلحين لا عين ولا أثر |
|
وبعد بينون يبني النّاس أبياتا |
وكان على الحبشة أرياط بن أضخم ، فبقي والي اليمن عشرين سنة إلى أن وثب عليه أبرهة الأشرم أبو يكسوم ، وهو من الحبشة ، وكان له كالوزير.
٥٨٣
قال أبو الفرج : فلمّا ظفر أرياط أخذ الأموال وأظهر العطايا في قومه أهل الشرف والغناء ، فغضب له الحبشة من ترك أهل الفقر وأذلّهم وأجاعهم وأتعبهم في العمل وكلّفهم ما لا يطيقون ، وشكا بعضهم إلى بعض. قال لهم عند ذلك أبرهة : لو أنّ رجلا غضب لكم لأسلمتموه حتّى يذبح كما تذبح الشاة. قالوا (١) : لا والمسيح ما كنّا لنسلمه أبدا. فواثقوه بالإنجيل لا يسلموه حتّى يموتوا عن آخرهم. فنادى مناديه فيهم فخرجوا معه بالسلاح الّتي كانوا يعملون بها ويهدمون [بها](٢) المدن (٣) والمعاول والكرازين والمساحي ، ثمّ صفّوا صفّا بالمعاول وصفّا آخر بالمساحي بإزائه.
وأخبر أرياط بما صنع أبرهة ، فركب في الملوك ومن يتبعه من أشياعهم ، فلبسوا السلاح وجاؤوا بالفيلة حتّى إذا دنا بعضهم من بعض برز أبرهه فنادى بأعلى صوته : يا معشر الحبشة الله ربّنا والإنجيل كتابنا وعيسى نبيّنا والنجاشي ملكنا ، علّام نقتل بعضنا بعضا؟ هذا رجل وأنا رجل ، فخلّوا بيننا وبينه ، فإن قتلني كان الملك وإن قتلته عملت فيكم بالإنصاف ما بقيت. فقال الملوك : قد أنصفك يا أرياط. وكان أرياط قد عرف بالشجاعة والنجدة
__________________
(١) ن : قال ـ
(٢) عن كتاب الأغاني ١٦ / ٧٣ ـ
(٣) ن : البدن ـ