خانفو ـ وبينها وبين البحر مسيرة الأيّام اليسيرة. ثمّ دعته همّته إلى حضور مجلس الملك ، فلم يزل حتّى وصل إليه بعد أن أعلم الملك أنّه من أهل بيت النبوّة. فأمر بإحضاره والبحث عن قوله ونسبه ، فلمّا تحقّق أمر ذلك أوصله الى نفسه فقال للترجمان : سله عن منزلة الملوك عندهم ، فلم يدر ما يجيب في ذلك فقال الملك : إنّا نجد الملوك خمسة : فرأس الملك وأوسعها ملك الملك الذي يملك العراق وما والاها لأنّه في وسط الدنيا والملوك محدقة به ، ونجد اسمه عندنا (ملك الملوك) (١). وبعده ملكنا ونجد اسمه ملك الناس لأنّه لا أحد أسوس للرعيّة منّا ولا أطوع للملوك من رعيّتنا ، فنحن ملوك الناس. ثمّ ملك السّباع ، وهو ملك الترك الذي يلينا وهم سباع الإنس. ثمّ ملك الفيلة ، وهو ملك الهند ، ونجده عندنا ملك الحكمة. وبعده ملك الروم ، وهو عندنا ملك الرجال لأنّه ليس في الأرض أتمّ (٢) خلقا من رجاله. فهؤلاء أعيان الملوك والباقون دونهم.
ثمّ قال للترجمان : قل له : أتعرف صاحبك إن رأيته؟ يعني النبي صلعم. قال : فقلت : فكيف لي برؤيته؟ قال : فأمر بسفط فأخرج ووضع بين يديه ، وتناول منه درجا ، فأراني صورة عامّة الأنبياء عليهمالسلام. فلمّا رأيتهم حرّكت شفتيّ بالصلاة عليهم ، فقال للترجمان : سله عن تحريك شفتيه ، فأخبرته. فرأيت نوحا في السفينة ينجو بمن معه وعيسى على حماره والحواريّين معه. قال : وفوق كلّ صورة كتابة طويلة بأخبارهم وأعمارهم وبلادهم وأسمائهم ، ثمّ كذلك سائر الأنبياء عليهمالسلام. قال : حتّى رأيت صورة نبيّنا محمّد صلعم على جمل وأصحابه محدقين به وفي أرجلهم نعال عربية وفي أوساطهم حبال اللّيف قد علّقوا المساويك منها. قال : فبكيت فسألني عن بكائي فقلت : إنّي ذكرت أمر نبيّنا محمّد صلعم بهذه الصورة. ثمّ سألني عن عمر الدنيا فأخبرته بما أتى في ذلك ، فضحك ضحكا كثيرا إنكارا لذلك ، ثمّ قال : من قال هذا؟ فقلت : نبيّنا محمد صلعم.
__________________
(١) عن المسعودي ٣٤٤ ، ل ن : ملكا ـ
(٢) ل ن : لهم.