ما رأينا شهدا أعذب ولا أحسن منه. قال إياد : صدقتم لولا أنّ نحله صنعته في هامة جبّار. ثم جاءهم بشاة مشوية فأكلوا واستطابوها فقال أنمار : صدقتم لولا أنّها غذيت بلبن كلبة. ثم جاءهم الشراب فاستحسنوه فقال ربيعة : صدقتم لولا أنّ كرمه نبت على قبر. ثم قالوا : ما رأينا منزلا أكرم قرى ولا أخصب رحلا من هذا الملك. قال مضر : صدقتم لولا أنّه لغير أبيه.
٢١٢
فذهب الغلام إلى الأفعى فأعلمه. فدخل الأفعى على أمّه فقال : أقسمت عليك إلّا أخبرتني من أبي. فقالت : أي بنيّ أنت ابن الأفعى الأعظم. قال : حقّا لتصدّقيني. فلمّا ألحّ عليها قالت : أي بنيّ إنّ الأفعى كان شيخا كبيرا قد أثقل فخشيت أن يخرج هذا الأمر عنّا أهل البيت ، وكان عندنا شابّ من أبناء الملوك اشتملت عليك منه. ثمّ بعث إلى القهرمان فقال : أخبرني عن الشهد الذي قدمته إلى هؤلاء النفر ما خطبه. قال : جزنا بدير في طيف فيه عظام نخرة ، وإذا النحل قد عسلت في جمجمة من تلك العظام ، فأمرت باستزباده فأتوا بعسل لم ير مثله قطّ ، فقدّمته إليهم لجودته. ثمّ بعث إلى صاحب مائدته فقال : ما هذه الشاة التي أطعمتها هؤلاء النفر؟ فقال : إنّي بعثت إلى الراعي أن يبعث إليّ بأسمن ما عنده فبعث بها ، فسألته عنها فقال : إنّها أول ما ولدت من غنمي ، فماتت أمّها وأنست السّخلة بجراء كلبة ترضع معهم ، فلم أجد في غنمي مثلها فبعثت بها إليك. ثمّ بعث إلى صاحب الشّراب فسأله عن شأن الخمر فقال : هي كرمة غرستها على قبر أبيك ، فليس في بلاد العرب مثل شرابها. فعجب الأفعى من القوم وقال : ما هم إلّا شياطين. ثمّ أحضرهم فسألهم عن وصية أبيهم ، فقال إياد : جعل لي جارية شمطاء وما أشبهها من ماله. فقال الأفعى : إنّه إن ترك غنما برشاء فهي لك ورعاتها مع الخادم. فقال أنمار : جعل لي بدرة ومجلسه وما أشبههما من ماله. فقال الأفعى : لك ما ترك أبوك من الرقّة والأرض. وقال ربيعة : جعل لي بيتا أسود وما أشبهه. فقال الأفعى : إن ترك أبوك خيلا دهماء وسلاحا فهي