وكان رجل يكنّى أبا الخيبري مرّ في نفر من أصحابه بقبر حاتم فجعل يناديه : أبا الجعد اقرنا (١). فقالوا له : تنادي رمّة بالية. فقال : إنّ طيّئا تزعم أنه لم ينزل به أحد إلّا قراه. فنزلوا فانتبه أبو الخيبري مذعورا ينادي : ووا راحلتاه (٢). فقال له أصحابه : ما بالك؟ قال : خرج حاتم من قبره بالسّيف وأنا أنظر حتّى نحر راحلتي. فنظروا فإذا بها منجدلة لا تنبعث ، فقالوا : قد والله قراك. وظلّوا يأكلون لحمها شواء (٣) وطبيخا ، ثمّ أردفوه (٤) وانطلقوا سائرين ، فإذا راكب بعير يقود آخر قد لحقهم وقال : أيّكم أبو الخيبري؟ قال الرجل : أنا. قال الراكب : أنا عديّ بن حاتم وإنّ حاتما جاءني الليلة فذكر أنّك استقريته واستبطيته وهو ينشدك [متقارب] :
أبا الخيبري وأنت امرؤ |
|
ظلوم العشيرة شتّامها |
أتيت بصحبك تبغي القرى |
|
لذي حفرة صدحت (٥) هامها |
أتبغي لي الضيم عند المبيت |
|
وحولك طيء وأنعامها |
فإنّا سنشبع (٦) أضيافنا |
|
ونأتي المطيّ فنعتامها |
وقال الشّاعر في عديّ بن حاتم [طويل] :
أبوك أبو (٧) سباقة الخير لم يزل |
|
لدن شبّ حتّى مات في الخير راغبا |
قرى قبره الأضياف إذ نزلوا به |
|
ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا |
ذكر القيافة والزجر
٢٠٩
والقيافة والزجر من خواصّ العرب فضلت بهما دون سائر الأمم. فأمّا ما يوجد من الزجر في الإفرنجة فإنّما أخذوه ممّن جاورهم من العرب في سالف الدهور ، ويمكن أن يكونوا أخذوه ممّن جاورهم من العرب ببلاد الأندلس بعد ظهور
__________________
(١) ل ن : افدنا ـ
(٢) ن ب : وا رحلتاه ـ
(٣) ن ب : لحما شويّا ، ل : لحمها سويّا ، والتصحيح عن المسعودي ١٢١٤ ـ
(٤) ل ن : ارقدموه ـ
(٥) ل ن : صرخت ـ
(٦) ن ب : نستشبع ـ
(٧) ل ن : أب.