الأوفياء له ، وقد سبق له أن أعاد طبع كتاب أُستاذه الفردوس الأعلى مع تعليقات نفيسة عليه ، كما نشر كتابه الآخر جنّة المأوى بحلّة قشيبة مزداناً بتحقيقاته وتعليقاته التي زادت من أهمّيّته ، ولنا وطيد الأمل بأن يظهر هذا الكتاب كأخويه لما نعهده في ولدنا المجاهد البارّ القاضي من فضل وخبرة وذوقوفنّ وكفائة زاد الله توفيقاته.
وقد رغّب إليّ ولده الفاضل في تقديمه إلى القرّاء ، فرأيت من المناسب بل الواجب أن أسجّل بعض ذكرياتي مع الفقيد العظيم لا سيّما ما يخصّ ورعه وتقواه ودينه وتقدّسه ، فلا أزال أتذكّر جيّداً حتّى الآن أنّه قال لشيخنا العلاّمة النوري قدّس الله نفسه : إنّ رطوبة الشباب تغلبني فأتثاقل من القيام لتأدية نافلة الليل ولذلك فإنّها تفوتني في بعض الليالي ، فقال له شيخنا معاتباً : لماذا ، لماذا ، قُم ، قُم ، وبعد مضيّ سنوات على ذلك وتوفّي النوري وجلسنا ذات يوم بعد سنين عديدة نستعيد بعض ذكرياتنا العذبة وأيّامنا الحلوة فقال لي رحمه الله بالنصّ : إنّ صوت شيخنا المرحوم يرنّ في أذني ليليّاً قبل السحر وينبّهني في كلّ ليلة فأستيقظ لأداء النافلة.
هذا ما كان من أمره في الليالي ، أمّا التزاماته الأخرى بالعبادة والتضرّع فقدكنت أرى له علاقة خاصّة بأدعية الصحيفة ، وأذكر جيّداً أنّه كان يلوذ بزواياالحرم الشريف ولا سيّما في شهر رمضان ويقضي الساعات الطويلة بتلاوة القرآن والأدعية الشريفة وعيناه تفيضان بالدّموع ، ولا ينتبه إلى أحد لانقطاعه إلى خالقه والتوجّه إليه بكلّ حواسّه ، هذا ما رأيته منه بعيني ، وكان معروفاً بذلك بين اخوانه وأشياخه فرحمهم الله وطيّب مضاجعهم وأجزل مثوبتهم ورفع درجاتهم وحشرنا معهم أنّه أرحم الراحمين.
هذه خطرات موجزة وذكريات عابرة عن أخينا وخليلنا في الله سجّلناها