نهج الطبري منهجية النقل المتعدّد للأحداث وذلك على شكل المنهج الحولي ، وقد عكس فيه الأحداث التاريخية من أطراف متعدّدة لتصوير الحدث التاريخي ، هذا هو المنهج العام لتاريخ الطبري في نقل الأحداث وبالأخصّ في بيان أحداث واقعة الطفّ الأليمة فقد تناولها من جوانبها المتعدّدة ، فنراه يذكر روايات السلطة الأموية أي التاريخ الرسمي أو بعبارة أخرى روايات المنتصر وروايات المغلوب ، كما يذكر روايات الكوفة والشام والمدينة ، ولكن مع كلِّ هذا فإنّ ما رواه الطبري عن الشهود العيان هوالأروع في الجانب الموضوعي ، فقد روى عن شهود عيان في الجيش الأموي وشهود عيان في جيش الإمام الحسين عليهالسلام ، هذا ويذكر الأستاذ جواد علي في بحث الموارد ترجيحه لأقوال الشهود.
ونحن في بحثنا هذا المعنون بـ : (مرويّات عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي لواقعة الطفّ في تاريخ الطبري) ، نحاول أن نستعرض وندرس روايات كلّ واحد منهما ، ومدى أهميّة تلك الروايات وبيان مصداقية كلّ واحد منهما ، ونستعرض فيه نظر الرجاليّين لهما ولمحات من سيرتهما وكيفية نجاتهما من المعركة والموت المحقّق لهما.
أمّا سبب اختياري مرويّات الطبري فلأهمّيته واعتماده في الغالب المنهجية الموضوعية وبالأخصّ روايات هذه الواقعة ، ثمّ إنّ عقبة بن سمعان والضحّاك المشرقي ممّن شاهدا الأحداث ، فالأوّل على معرفة تامّة بكلّ ما جرى من المدينة المنورة إلى مكة إلى العراق ، والثاني فقد فصّل لنا ليالي الواقعةوالحرب في يوم العاشر وكيفية نجاته من المعركة وتفاصيل مهمّة أخرى ، وهي تنفع الباحث في الوصول إلى الحقائق بعد المقارنة ومعرفة القرائن ، وتتّضح لنا الصورة أكثر إذا وصلنا إلى وثاقتهم ومصداقيّتهم