الفرش وجعلها مسكن الطبائع والأجساد.
ثمّ أمر بمقتضى قضائه الأزلي وصوره (١) الإسرافيلي لتلك الأرواح والقلوب العرشيّة (٢) أن تعلّقت بالقوالب والأبدان الفرشيّة ، ثمّ أمر بقدره الحتمي أن يقبل قابليّة هذه القوالب والأجساد واستعدادهما ـ شطرا (٣) من الأزمنة ـ هذه القلوب والأرواح كما شاء اللّه ؛ فإذا بلغ أجل كتاب اللّه الذي هو آت وقرب الموعود للممات والملاقاة للحياة ، رجعت الأرواح إلى ربّ الأرواح قائلين :(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)(٤) ، وعادت الأشباح إلى التراب الرميم :(مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ)(٥).
وأمّا الأرواح الكدرة الظلمانيّة المنكوسة والنفوس الشقيّة التي(فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ)(٦) ، فقصدت مع أثقالها من حضيض الفرش إلى جهة العرش بأجنحة مقصوصة وأيد مغلولة بحبائل التعلّقات ، فصاروا معلّقين بين الفرش والعرش :(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٧).
فالمقابر العرشيّة للسابقين (٨) ، والقبور الفرشيّة إمّا روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران :(فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ)(٩). والعرش مقبرة الأرواح العرشيّة ، والفرش مقبرة الأجساد الفرشيّة :(كَما بَدَأْنا
__________________
(١) أصل : صورة. (جمع : صور) «ولما سئل النبي (ص) عن الصور ما هو؟ فقال : هو قرن من نور ، التقمه إسرافيل» ، فوصف بالسعة والضيق (العرشيّة ، ص ١٦٥.)
(٢) أصل : الفرشيّة.
(٣) چ : شطرا / أصل وبقيه نسخ : منتظرا.
(٤) سورهء بقره ، آيهء ١٥٦.
(٥) سورهء طه ، آيهء ٥٥.
(٦) سورهء نحل ، آيهء ١١٢.
(٧) سورهء سجده ، آيهء ١٢.
(٨) دا : + المقرّبين.
(٩) سورهء أعراف ، آيهء ٣٠.