أن يكلّفه وإنّما
وجب ذلك في النظر الذي هو سبب المعرفة ، لأنّه يبتدئه ولا يجب وجوده بوجود غيره.
وكل فعل كلّفه العبد على جهة الابتداء فلا بدّ من أن يميّزه من غيره ، أو يصحّ ذلك
فيه ليتمكّن من إيجاده على الحدّ الذي كلّف. فأمّا المعرفة ، فإنّما يوجدها بإيجاد
النظر ؛ فبان معرفته بالنظر عن معرفته بها ، على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٥ ، ٦)
نظر واجب
ـ النظر واجب ،
لوجوب معرفة الله وتوقّفها عليه ، وهو مقدور وإلّا فهي تكليف بما لا يطاق. ـ واعترض
: لا نسلّم إمكان وجوب العلم لأنّ التصديق متوقّف على التصوّر وهو غير مكتسب وهو
ضروريّ لما مرّ ، ثمّ الحاصل فإن كفى في النسبة بينهما فبديهيّ ، وإلّا فالحال في
المتوسّطة كما فيها وتنتهي إلى الضروريّات ؛ فلوازمها ضروريّة ، فالتكليف بها لا
يطاق ، ولو صحّ بطل الدليل (خ ، ل ، ٤٣ ، ١١)
نظر واحد
ـ إنّ النظر
الواحد لا يجوز أن يولّد إلّا علما مخصوصا ، وما هو من جنسه لا يولّد إلّا أمثال
ذلك العلم من حيث كان المعلوم من حاله أنّ جميعه يتعلّق بمنظور واحد على وجه واحد.
فما يولّده لا يختلف ، وليس كذلك الاعتماد لأنّه يبقى فيولّد الأكوان حالا بعد حال
لكنه يولّد ما يولّد على طريقة واحدة ، فصار النظر بمنزلة اعتماد مجتلب لأنّه لا
يولّد إلّا شيئا واحدا مخصوصا وإن فارقه من وجه آخر. لأنّ الاعتماد يولّد فيما
يصادف محلّه ، فأي محل صادفه ولّد فيه ، وإلّا ولّد في محله فقد ولّد أشياء
متغايرة على البدل ، وليس كذلك حال النظر لأنّه يولّد في محلّه وليس له تعلّق
بالمنظور فيه في باب التوليد ، فما يولّده لا يتغاير كما لا يختلف (ق ، غ ٩ ، ١٥٤
، ٨)
نظر ووقوع المعرفة
ـ اعلم ، أنّ أحد
ما يعتمد في مذهبه (الجاحظ) أن نقول : إنّ النظر ووقوع المعرفة عنده ، يجري في
بابه مجرى ما يقع من الفعل بالحدس والاتفاق ، من غير قصد. وقد ثبت في كل فعل ، هذا
حاله ، أنّه لا يجوز أن يستحقّ به الذمّ والمدح ، ولا يدخل تحت التكليف ، وذلك نحو
أن نحكّ الذهب على المحكّ فنجده جيّدا أو رديئا. فاتّفاق ذلك لا يصحّ تعلّق المدح
والذمّ به ؛ وإن وافق ، في بعض الأحوال ، الإرادة ؛ وكذلك لو هجم على بئر فوجد
فيها كنزا ، لم يجز بذلك مدح ؛ وإذا التفت ورأى من يسرّه لم يجز أن يستحقّ به
المدح ؛ لمّا كانت هذه الأمور تقع بالاتفاق من غير معرفة متقدّمة ، بأن الفعل
يؤدّي إليه (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤ ، ٣)
نظريات
ـ إنّ النظريات
قسمان : قسم يتعلّق بأصول القواعد ، وقسم يتعلّق بالفروع. وأصول الإيمان ثلاثة :
الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر ، وما عداه فروع. فاعلم أنّه لا تكفير في
الفروع أصلا ، لكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات ، وفي بعضها تبديع كالخطإ
المتعلّق بالإمامة وأحوال الصحابة (غ ، ف ، ٧٣ ، ١٠)
نظم قياس
ـ أن يكون الأصل
مثبتا بقياس آخر ، يستند بدرجة