منافرة
ـ أمّا ما حكيته عن إبراهيم أنّه كان يحيل القول بأنّ الله تعالى يقدر أن يخترع البرد مسخّنا والحرّ مبرّدا فهذا شيء أهل التوحيد كلّهم يوافقونه عليه. وأمّا حكايته عنه أنّه يزعم أنّ الله قهر المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها ، فإنّ إبراهيم كان يزعم أنّ الله قهر الأشياء المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها إذا خلّيت وما هي عليه ، فأمّا إذا منعت مما هي عليه من المنافرة وقهرت على الاجتماع ، فإن من جوهرها وشأنها الاجتماع عند القهر لها ، كما أنّ من جوهرها وشأنها المنافرة عند تخليتها وما هي عليه ، وهذا شيء أكثر الخلق شركاء إبراهيم فيه وهو أمر واضح غير غامض ولا خفي. أنت تعلم أنّ من شأن الماء السيلان وقد يمكن منعه من ذلك ، وأنّ من شأن الحجر الثقيل الانحدار وقد يمنع منه ، ومن شأن النار التلهب والصعود علوا وقد تمنع من ذلك فتأخذ سفلا. فما على إبراهيم في هذا عيب والحمد لله (خ ، ن ، ٤١ ، ٢٣)
منافع
ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرّضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ٨)
ـ اعلم أنّ المنافع هي الملاذ والسرور وما أدّى إليهما أو إلى أحدهما إذا لم يؤدّ إلى ضرر يوفي عليه (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٣)
ـ إنّ أصل المنافع هو الملاذّ. ولذلك يستحيل الانتفاع على من تستحيل اللذّة عليه. وكون الملتذّ ملتذّا يتبع كونه مدركا لما يشتهيه ، لأنّه لو أدرك الشيء ولمّا يشتهيه لم يلتذّ به على ما بيّناه من قبل. فإذا صحّ ذلك وجب كون اللذّة تابعا للشهوة وللإدراك. وقد علمت أن العاقل قد يؤثّر كثير الملاذّ آجلا على يسيرها عاجلا ، بل قد يستحسن تحمّل المشقّة لملاذّ عظيمة في المستقبل ؛ فلو لا أنّ ذلك منافع لم يكن ليؤثّره على النفع الحاضر القليل ، ولا كان يتحمّل المضرّة لأجله ، فلذلك جعلنا ما يؤدّي إلى الملاذّ نفعا ، وألحقناه باللذّة الحاضرة. وإذا جاز في اللذّة أن تكون ضررا إذا أعقبت مضرّة عظيمة ، نحو تناول الخبيص المسموم الذي يعدّ مطعمه مسيئا ، فما الذي ينكر من القول بأن المشقّة تكون نفعا إذا أدّت إلى نفع عظيم. ولو لا أنّ الأمر على ما ذكرناه لم يكن القديم تعالى بالتكليف نافعا ؛ ولا بالآلام التي يستحقّ بها الأعواض ، وإنّما يصحّ القول بأنّه منعم بذلك على الأصل الذي بيّناه ، ولذلك يستحسن العقلاء تعريض أولادهم بإلزام المشاقّ للرتب العالية ، والمنازل الرفيعة ، ويعدّون ذلك من أعظم النعم (ق ، غ ١١ ، ٧٨ ، ٦)
ـ ما أدّى إلى المنافع قد يكون على وجوه : منها ما يوجبه فيكون نفعا كالأسباب ، ومنها ما يؤدّي إليه بالعادة التي لا تنتقض في الأظهر ، كالتجارات وطلب الرتب. ومن هذا القسم طلب الشبع بالأكل وما شاكله ، لأنّ ذلك يحصل عند الأكل بالعادة ، لا على جهة الإيجاب ، ولذلك تختلف أحوال الأحياء منّا فيه ، فهو في هذا الوجه بمنزلة الشكر الحادث عند الشرب ، وسائر ما قلنا فيه أنّه غير موجب. ومنها ما يكون نفعا بأن يستحقّ به اللذّة ، ثم هو