الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ١)
ممدوح
ـ صحّ بالضرورة التي لا محيد عنها أنّه ليس في العالم شيء محمود ممدوح لعينه ولا مذموم لعينه ولا كفر لعينه ولا ظلم لعينه ، وأمّا ما لا يقع عليه اسم طاعة ولا معصية ولا حكمها وهو الله تعالى فلا يجوز أن يوقع عليه مدح ولا حمد ولا ذمّ إلّا بنصّ من قبله ، فنحمده كما أمرنا أن نقول الحمد لله ربّ العالمين ، وأمّا من دونه ممّن لا طاعة تلزمه ولا معصية كالحيوان من غير الملائكة وكالحور العين والإنس والجنّ وكالجمادات فلا يستحقّ حمدا ولا ذمّا لأنّ الله لم يأمر بذلك فيها. فإن وجد له تعالى أمر بمدح شيء منها أو ذمّه وجب الوقوف عند أمره تعالى ، كأمره تعالى بمدح الكعبة والمدينة والحجر والأسود وشهر رمضان والصلاة وغير ذلك ، وكأمره تعالى بذم الخمر والخنزير والميتة والكنيسة والكفر والكذب وما أشبه ذلك ، وأمّا ما عدا هذين القسمين فلا حمد ولا ذمّ ، وأمّا اشتقاق اسم الفاعل من فعله فكذلك أيضا ولا فرق ، وليس لأحد أن يسمّي شيئا إلّا بما أباحه الله تعالى في الشريعة أو في اللغة التي أمرنا بالتخاطب بها (ح ، ف ٣ ، ٧٢ ، ١٥)
ممكن
ـ الواجب في العقل على جهة لا يجوز مجيء الخبر بغيره ، وكذلك الممتنع ، ويجيء في الممكن ؛ إذ هو المنقلب من حال إلى حال ، ويد إلى يد ، وملك إلى ملك ، وفي ذلك ليس في العقل إيجاب جهة ولا امتناع من جهة فتجيء الرسل ببيان الأولى من ذلك في كل حال (م ، ح ، ١٨٤ ، ٥)
ـ الإمكان مستمرّ أبدا ، والقدرة واسعة لجميع ذلك ؛ وبرهان هذه الدعوى وهو عموم تعلّق القدرة ، أنّه قد ظهر أنّ صانع العالم واحد. فإمّا أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة ، والمقدورات لا نهاية لها ، فيثبت قدر متعدّدة ، لا نهاية لها وهو محال ، لما سبق في إبطال دورات لا نهاية لها. وإمّا أن تكون القدرة واحدة ، فيكون تعلّقها مع اتحادها بما يتعلّق به من الجواهر ، والأعراض مع اختلافها ، لأمر تشترك فيه ، ولا يشترك في أمر سوى الإمكان ؛ فيلزم منه أنّ كلّ ممكن ، فهو مقدور لا محالة ، وواقع بالقدرة (غ ، ق ، ٨٢ ، ٩)
ـ إنّ العالم مثلا ، يصدق عليه أنّه واجب ، وأنّه محال ، وأنّه ممكن. أمّا كونه واجبا ، فمن حيث أنّه إذا فرضت إرادة القديم موجودة ، وجودا واجبا ، كان المراد أيضا واجبا