يتمّ إلّا بعد أن نبيّن أنّ الواحد منّا له بكونه مدركا صفة ، وتلك صفة زائدة على كونه حيّا وكونه عالما ، لأنّه لا يتبيّن إلّا بهما ، وأنّ المؤثّر في ذلك ليس إلّا كونه حيّا. فإذا ثبتت هذه الجملة وثبت أنّ القديم تعالى حيّ وكان المدرك موجودا وجب أن يكون مدركا ، فإنّ المؤثّر قد حصل والشرط قد تكامل ، فيجب حصول المؤثّر فيه (ن ، د ، ٥٥٧ ، ٤)
ـ أمّا القول بأنّ أحدنا مدرك فظاهر لا يمكن الدفع له. وأمّا الكلام في أنّ له بكونه مدركا صفة زائدة فهو ما قد ثبت أنه يجد هذه القضية من نفسه ، لأنّه يفصل بين ما يدركه وبين ما لا يدركه ، كما يفصل بين بعض المدركات وبين البعض. وهذا الفصل يجب أن يكون راجعا إلى ثبوت حالة له ، كما أنّ الفصل في كونه مريدا وكارها ومشتهيا ونافرا يجب أن يرجع إلى ثبوت حالة له. ولأنه إذا ثبت هذا الفصل لم يجز أن يرجع به إلى ذات المدرك ولا إلى ذات المدرك ولا إلى معنى من المعاني ولا حكم من الأحكام ، فيجب أن يكون راجعا إلى ثبوت حالة من الحالات. ولأنّ كون الذات مدركا يؤثّر في حال العلم وقوّته ويؤثّر في وقوع الالتذاذ وقوّته ، فيجب أن يرجع به إلى حالة (ن ، د ، ٥٥٧ ، ١٠)
ـ ذهب أبو القاسم الواسطي إلى أنّ القديم تعالى يكون مدركا فيما لم يزل ، ولكن التعلّق إنّما يحصل عند وجود المدرك. وهذا فاسد أيضا ، لأنّ هذه الصفة قد بيّنا أنّها مما يجده الواحد منا من نفسه عند وجود المدرك ، فكان وجود المدرك شرطا في حصولها ، لا في التعلّق. ولو صحّ أن يقال في القديم تعالى : إنّه يكون مدركا ، والتعلّق مشروط بشرط ، لصح أن يقال في المعدوم إنّه مدرك ، والتعلّق مشروط بوجود المدرك ، بل كان يلزم أن يقال إنّ المعدوم قادر عالم ، والتعلّق مشروط بوجوده ـ وهذا فاسد (ن ، د ، ٥٦٩ ، ١)
ـ الذي صار إليه أهل الحقّ ومعظم المعتزلة أنّ المدرك شاهدا مدرك بإدراك ، كما أنّ العالم شاهدا عالم بعلم. وذهب ابن الجبائي وشيعته إلى نفي الإدراك شاهدا وغائبا والمصير إلى أنّ المدرك هو الحيّ الذي لا آفة به (ج ، ش ، ١٥٧ ، ٧)
مدلول
ـ المدلول هو ما نصب له الدليل (ب ، ن ، ١٥ ، ١٥)
ـ إنّ صحّة الفعل حكم صدر من الجملة ، ومدلوله هو أن من ثبت له هذا الحكم لا بدّ من أن يختصّ بأمر حصل عليه لولاه لما صحّ منه ذلك. فإذا كانت صحّة الفعل حكما صدر من الجملة ، وكان دليلا على اختصاص تلك الجملة بالأمر ، وجب في ذلك الأمر أن يرجع إلى الجملة ، وإلّا لم يكن ما رجع إلى الجملة دليلا على ذلك الأمر وهو يختصّ ببعض الجملة ، كما أنّ الحكم إذا صحّ من الذات ودلّ على أنّ تلك الذات لا بدّ من أن تكون على أمر لولاه لما صحّ منها هذا الحكم فلا بدّ في ذلك الأمر من أن يرجع إلى تلك الذات دون غيرها ، فكذلك هاهنا (ن ، د ، ٤٨٧ ، ١٢)
ـ العلم الحاصل المطلوب هو المدلول ، وازدواج الأصلين الملزمين لهذا العلم هو الدليل ، والعلم بوجه لزوم هذا المطلوب من ازدواج الأصلين علم بوجه دلالة الدليل ؛ وفكرك الذي هو عبارة عن إحضارك الأصلين