ـ أمّا المباح فلا يريده تعالى ولا يكرهه لمّا لم تكن لفعله مزيّة على تركه. فلو أراده لصارت إرادته باعثة لنا على الفعل ، ولو كرهه لضرّ فينا عن فعله ، وعلى هذا لم يأمر به ولم ينه عنه.
وهذا ظاهر إذا لم يكن فيما يجري مجرى المباح ما هو مستحقّ. فأمّا إذا ثبت فيه وجه من وجوه الاستحقاق جاز أن يريده تعالى وهذا هو كالأكل والشرب ونحوهما من فعل أهل الآخرة في الجنّة لأنّ" مشايخنا" اختلفوا. فأبى" أبو علي" أن يكون الله تعالى مريدا له وقال إن قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (الطور : ١٩) هو إباحة لا أمر ، وقاس ذلك على ما يقع من أهل الدنيا. والأولى ما اختاره" أبو هاشم" من أنّه تعالى يختاره لأنّه قد حصل في ذلك في الآخرة من الغرض ما لا يحصل في الدنيا ، وهو أنّه يستحقّ الثواب على أبلغ ما يكون ، ومتى علم أهل الجنّة أنّ الله تعالى قد أراد أكلهم وشربهم كان ذلك أدخل في سرورهم فصحّ أن يريده (ق ، ت ١ ، ٢٩٣ ، ١٧)
ـ القبيح هو بالضدّ من الواجب فيستحقّ الذمّ والعقاب بفعله والمدح والثواب بأن لا يفعله أو يتركه على بعض الوجوه. وما خرج عن ذلك من المباح وما أشبهه فلا مدخل له في التكليف لأنّه لا تحصل فيه البغية التي يقف التكليف عليها وهو تعريض المكلّف للثواب (ق ، ت ٢ ، ٢٧٢ ، ١١)
ـ ما يقع على وجه يحسن ينقسم أقساما : فمنها ما لا صفة له زائدة على حسنه ، وفعله له وأن لا يفعله فيما يتعلّق بالذمّ والمدح سواء ، فيكون مباحا. ومنها ما يستحقّ بأن يفعله المدح ، إذا لم يمنع منه مانع ، ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه ندب ، ومرغّب فيه. ومنها ما يستحقّ به الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه واجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧ ، ١٦)
ـ أمّا المباح فهو كله حسن ، لا صفة له زائدة على حسنه ، كالتنفّس في الهواء الذي نعيش دونه ، ونيل المأكول الذي لا يلحقه بفعله مضرّة ، ولا هو ملجأ إلى تناوله. فما هذا حاله يوصف بأنّه مباح ، إذا أعلم أو دلّ على أنّه لا صفة له زائدة على حسنه ، وأنّ فعله له وأن لا يفعله سواء في أنّه لا يستحقّ ذمّا ولا مدحا. فلذلك يقال في أفعال العاقل أنّه مباح ، ولا يستعمل ذلك في فعل البهيمة ولا في أفعاله تعالى. ولذلك قال شيخنا أبو هاشم رحمهالله : إنّ أفعال أهل الجنّة لا توصف بذلك ، لما أعلموا من حالها ما قدّمناه ، وإن لم يدلوا عليه. ولذلك يقول في كثير من المنافع أنّها على الإباحة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣١ ، ١٠)
ـ أمّا المباح الذي لا صفة له زائدة على حسنه فلا يجوز أن يدخل تحت التكليف ؛ لأنّه لا يستحقّ بفعله المدح ولا الثواب على وجه. والأصل في هذا الباب أن تكليفه ـ تعالى ـ لا يصيّر للفعل صفة ليست له ، وإنّما يدلّ على حال الفعل ، وأنّه بالصفة التي يقتضي العقل له الأحكام المخصوصة (ق ، غ ١١ ، ٥٠٣ ، ٨)
ـ قال (أبو علي) : لأنّ المباح لا صفة له أزيد من أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، والمبيح إنّما يوصف بذلك لأنّه مزيل للمضرّة عن الفعل ، على ما نعقله من إباحة الإنسان لغيره دخول داره. وهذه الدلالة سنبيّن أنها لا تصحّ ، فيما بعد عند الدلالة على أنّه تعالى قد أوجب النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٨ ، ٧)
ـ المحسنات العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي