الأقسام ، فهو في
الغائب للكلام أوصاف (ش ، ن ، ٢٩١ ، ٧)
ـ إنّ المعنى قد
يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقليّة ، ثم الاعتبارات العقليّة
قد تكون من جهة النسب والإضافات ، وقد تكون من جهة الموانع واللواحق ، أليست
الإرادة قد تسمّى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب ، وقد تسمّى هي
بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب ، كذلك يسمّى أمرا إذا تعلّق بالمأمور
به ، ويسمّى نهيا إذا تعلّق بالمنهى عنه ، وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة
متعلّقاته حتى قيل إنّ الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم ، وكل عالم يجد من نفسه خبرا
عن معلومه ضرورة ، فإن تعلّق بالشيء الذي وجب فعله سمّي أمرا ، وإذا تعلّق بالشيء
الذي حرّم فعله سمّي نهيا ، وإن تعلّق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمّي خبرا
واستخبارا ، فهذه أسامي الكلام من جهة متعلّقاته كأسامي الربّ تعالى من جهة أفعاله
(ش ، ن ، ٢٩٢ ، ٩)
ـ قالت الأشعريّة
ذهب شيخنا الكلابيّ عبد الله بن سعيد إلى أنّ كلام الباري في الأزل لا يتّصف بكونه
أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا إلّا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط التكليف ،
فإذا أبدع الله العباد وأفهمهم كلامه على قضية أمر وموجب زجر أو مقتضى خبر ، اتّصف
عند ذلك بهذه الأحكام. فهي عنده من صفات الأفعال بمثابة اتّصاف الباري تعالى فيما
لا يزال بكونه خالقا ورازقا ، فهو في نفسه كلام لنفسه أمر ونهي وخبر وخطاب وتكليم
، لا لنفسه بل بالنسبة إلى المخاطب ، وحال تعلّقه. وإنّما يقول ، كلامه في الأزل
يتّصف بكونه خبرا لأنّا لو لم نصفه بذلك خرج الكلام عن أقسامه ، ولأنّ الخبر لا
يستدعي مخاطبا فإنّ الرب تعالى مخبر لم يزل عن ذاته وصفاته ، وعمّا سيكون من
أفعاله ، وعمّا سيكلّف عباده بالأوامر والنواهي (ش ، ن ، ٣٠٣ ، ١٧)
ـ عند أبي الحسن
الأشعريّ كلام الباري تعالى لم يزل متّصفا بكونه أمرا ونهيا وخبرا ، والمعدوم على
أصله مأمور بالأمر الأزليّ على تقدير الوجود (ش ، ن ، ٣٠٤ ، ١٠)
ـ قالت السلف
والحنابلة قد تقرّر الاتّفاق على أنّ ما بين الدفّتين كلام الله ، وأنّ ما نقرأه
ونسمعه ونكتبه عين كلام الله ، فيجب أن يكون الكلمات والحروف هي بعينها كلام الله
، ولمّا تقرّر الاتّفاق على أنّ كلام الله غير مخلوق فيجب أن تكون الكلمات أزليّة
غير مخلوقة (ش ، ن ، ٣١٣ ، ٦)
ـ ذهب النظّام إلى
أنّ الكلام جسم لطيف منبعث من المتكلّم ويقرع أجزاء الهوى فيتموّج الهوى بحركته
ويتشكّل بشكله ، ثم يقرع العصب المفروش في الأذن فيتشكّل العصب بشكله ، ثم يصل إلى
الخيال فيعرض على الفكر العقلي فيفهم (ش ، ن ، ٣١٨ ، ٣)
ـ صار أبو الهذيل
والشحّام وأبو علي الجبائي إلى أنّ الكلام حروف مفيدة مسموعة مع الأصوات غير
مسموعة مع الكتابة ، وصار الباقون من المعتزلة إلى أنّ الكلام حروف منتظمة ضربا من
الانتظام ، والحروف أصوات مقطّعة ضربا من التقطيع (ش ، ن ، ٣٢٠ ، ١١)
ـ صار أبو الحسن
الأشعريّ إلى أنّ الكلام معنى قائم بالنفس الإنسانيّة وبذات المتكلّم ، وليس بحروف
ولا أصوات ، وإنّما هو القول الذي يجده العاقل من نفسه ويجيله في خلده ، وفي