تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠) ، ولم يقل : أضلّ ، وقال : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) (الليل : ١٢) ، ولم يقل : علينا إلّا ضلال ، ولا يجوز أن ينهي العباد عن شيء في العلانية ويقدّره عليهم في السر. ربنا أكرم من ذلك وأرحم ، فلو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان يقول تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ، ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، ولو كان الأمر كما قال المخطئون لما كان لمتقدّم حمد فيما عمل ولا على متأخر لوم ، ولقال : جزاء بما عمل بهم ، ولم يقل : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) (ب ، ق ، ١١٨ ، ١٥)
ـ إنّ الخير والشرّ بقضاء الله وقدره. وإنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه. ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلّا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨). وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١ ، ٤)
ـ الأصل في القضاء والقدر والتخليق والإرادة أن لا عذر لأحد بذلك لأوجه ثلاثة : أحدهما أنّ الله تعالى قضى وخلق ، وما ذكر لمّا علم ، إنّ ذلك يختار ويؤثّر ، وبما أراد وخلق وقضى يصلون إليه ويبلغون ما أثروه ، فلم يكن لهم الاحتجاج بما هو آثر الأشياء عندهم وأخيرها ، على ما لم يكن لهم ذلك بالعلم والكتاب والإخبار إذ كانت بالتي يكون منهم مختارين مؤثرين ، وبالله نستعين. والثاني إنّ جميع ما كان لم / يحملهم على ما هو فعلوه ، لم يدفعهم إليه ، ولا اضطرّهم بل هم على ما هم عليه ، لو لم يكن شيء من ذلك ، ويتوهم كونهم بلا ما ذكرت ، وقد مكّنوا أيضا من مضادات ما عملوا ، فما ذلك إذ لم يضطرهم ولم يحوّل عنهم حقيقة بما علم كل منهم إنّه مختار مؤثر فاعل ممكّن من التّرك ، لا كخلق سائر الجواهر والأعراض والأوقات والأمكنة التي فيها تقع الأفعال ، وإن لم يحتمل كون شيء من ذلك عذرا لهم أو حجة لم يكن ما نحن فيه حجة أو عذرا ، والله الموفق. والثالث إنه لم يخطر شيء من ذلك ببالهم ولا كانوا عند أنفسهم وقت الفعل إنّهم يفعلون لشيء من ذلك ، فالاحتجاج لما ليس لذلك الفعل عند المحتج باطل ، وكذلك العذر بما لم يكن عند نفسه بالذي يفعل لكان ذلك باطل مضمحل (م ، ح ، ٣٠٩ ، ١)
ـ أمّا القدر فقد يذكر ويراد به البيان ، قال الله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) ، وقال الشاعر : واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان سطر. أمرك هذا فاجتنب منه التبر. وإذ قد عرفت ذلك ، وسألك سائل عن أفعال العباد أهي بقضاء الله تعالى وقدره أم لا؟ كان الواجب في الجواب عنه أن تقول ، إن أردت بالقضاء والقدر الخلق فمعاذ الله من ذلك ، وكيف تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي موقوفة على قصورهم ودواعيهم ، إن شاءوا فعلوها وإن كرهوا تركوها؟ فلو جاز والحال هذه أن تكون أفعال العباد من جهتهم لجاز في أفعال الله تعالى ذلك ، فإنّ بهذه الطريقة يعرف أنّ الفعل فعل لفاعله. وبعد ، فلو كانت مخلوقة لله تعالى لما استحقّ العباد عليها المدح والذمّ والثواب والعقاب. وأيضا ، فلو كانت أفعال