كان الصلاح يقع
على وجهين : على أحدهما يكون أقرب إلى القبول ، وعلى الآخر لا يكون أقرب ، فلا بدّ
من أن يفعل ما هو الأقرب إلى القبول. وإذا صحّ ذلك ، وكان المتعالم ، فيمن تجوز
عليه الكبائر ، أنّ النفوس لا تسكن إلى القبول منه سكونها إلى من كان منزّها عن
ذلك ، فيجب ألّا يجوز في الأنبياء ، عليهمالسلام ، إلّا ما نقوله ، من أنّهم منزّهون عمّا يوجب العقاب ،
والاستخفاف ، والخروج من ولاية الله تعالى إلى عداوته (ق ، غ ١٥ ، ٣٠٢ ، ٨)
ـ الذي ينتحله
البصريون أنّ الله تعالى متفضّل بإكمال العقل ابتداء ، ولا يتحتّم عليه إثبات
أسباب التكليف ، فإذا كلّف عبدا فيجب بعد تكليفه تمكينه وإقداره ، واللطف به بأقصى
الصلاح ؛ فهذا معنى قول الأئمة في نقل مذهبهم (ج ، ش ، ٢٤٨ ، ١٠)
ـ كل ما عريّ عن
الفساد يسمّى صلاحا ، وهو الفعل المتوجّه إلى الخير من قوام العالم وبقاء النوع
عاجلا ، والمؤدّي إلى السعادة السرمديّة آجلا ، والأصلح هو إذا صلاحان وخيران ،
فكان أحدهما أقرب إلى الخير المطلق فهو الأصلح (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٢)
صلاح الخلق
ـ إنّ صلاح الخلق
ونفعهم معلّق بأوقات تكون فيها وكما ............ (الله) عزوجل فعلم أنّ إرسال الرسل (وإر) سال كل نبيّ في الوقت الذي
أرسله فيه صلاح للخلق فأرسله في (ذاك) الوقت الذي علمه دون غيره من الأوقات. وكذلك
ما أمر به من الشرائع وإنّما علم أنّ الأمر به صلاح في وقت كذا دون وقت كذا. ألا
ترى أنّه أمر موسى عليهالسلام بشرائع ثم نسخها على لسان عيسى وأمر بغيرها ثم نسخ أيضا
شريعة عيسى عليهالسلام على لسان محمد صلى الله عليه (وعليهم) أجمعين وأمر بغيرها
، ففعل من ذلك في كل وقت وزمان ما يعلم أنّه صلاح لخلقه ونفع لعباده سبحانه وتعالى
(خ ، ن ، ٢٦ ، ٢٤)
صلاح في الدين
ـ وبعد ، فإنّا
نصف الله تعالى بأنّه أصلح في الدين من لم يختر الصلاح على بعض الوجوه ، لأنّ
الصلاح في الدين من الله تعالى لا يوجب أن يكون العبد صالحا (إلّا) إذا أقبل
واختار ، كما أنّ النفع في الدين لا يوجب انتفاعه إلّا على هذا الحدّ ، فلا يمتنع
أن يفعل الصلاح في الدين وإن كان العبد يصلح عند اختياره لكنّه إذا قبل العبد يوصف
بأنّه أصلحه ، وإذا لم يقبل يقال : استصلحه ؛ لأنّ إطلاق القول بأنّه أصلحه يوهم
أنّه قد صلح. فأمّا إذا قيل بما يزيل الإيهام ، فذلك سائغ. وهذا بيّن فيما تأولنا
عليه (ق ، م ٢ ، ٥٠٤ ، ٦)
صلاح وأصلح
ـ قالت المعتزلة
نحن على طريقين في وجوب رعاية الصلاح والأصلح ، فشيوخنا من بغداد حكموا بأنّ
الواجب في الحكمة لخلق العالم وخلق من يكون قابلا للتكليف ، ثم استصلاح حاله بأقصى
ما يقدر من إكمال العقل والإقدار على النظر والفعل ، وإظهار الآيات وإزاحة العلل ،
وكل ما ينال العبد في الحال والمال من البأساء والضراء والفقر والغنى والمرض
والصحّة والحياة والموت والثواب والعقاب ، فهو صلاح له حتى تخليد أهل النّار في
النّار