الصفة ما دامت العلّة ثابتة لكونها مقصورة عليها ، فكذلك صفة الذات. وإذا صحّ أنّ الجوهر يستحقّ هذه الصفة في حالتي العدم والوجود ، وصحّ أن تحيّزه لا يثبت إلّا عند الوجود ، بطل قول من زعم أنّ كونه جوهرا ومتحيّزا صفة واحدة ، على ما دلّ عليه كلام الشيخ أبي عبد الله. ويبطل قول الشيخ أبي إسحاق إذا لم يثبت إلّا كونه متحيّزا ، لأنّ الإدراك يتناوله (أ ، ت ، ٧٣ ، ٧)
صفة المكلّف
ـ إنّه تعالى إذا علم أنّه سيكلّفه من بعد فإنّه يخلقه لينفعه تفضّلا وعلى جهة التكليف ، وإن كان متى جعله بصفة المكلّف فلا بدّ من أن يريد منه فعل ما يصل به إلى الثواب ، وتكون هذه الإرادة الثانية منه بنفسها تكليفا ؛ لأنّها تقوم مقام الأمر والإلزام ، مع تقدّم كون المكلّف عاقلا ممكّنا ، والإرادة الأوّلة هي إرادة لأن ينفعه بالتكليف ، وإذا كانت إحداهما غير الأخرى لم يمتنع حصول إحداهما عند الاختراع والثانية عند جعل المكلّف بالصفات المخصوصة التي معها يحسن تكليفه (ق ، غ ١١ ، ١٣٥ ، ١٩)
ـ اعلم أنّه ـ تعالى ـ لمّا اختصّ بكونه قادرا على خلق الإنسان وخلق ما يصير به حيّا قادرا متمكّنا من فعل ما كلّف ، واختصّ مع ذلك بأنه قادر على أن يجازيه على فعل ما كلّف بما يستحقّه ، حسن منه لأجل ذلك أن يكلّفه. وهذه الصفة يختصّ بها القديم ـ تعالى ـ دون غيره ؛ لأنّ غيره لا يصحّ منه التمكين ولا التعريف ولا المجازاة على الحدّ الذي يستحقّ بالتكليف. فلذلك صار ـ سبحانه ـ مختصّا بأنّ له أن يكلّف دون غيره. ولو صحّ في غيره أن يختصّ بهذه الأوصاف لحسن منه أن يكلّف (ق ، غ ١١ ، ٤١٥ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ صفة المكلّف التي معها يمكن الاستدلال على الأحكام ، هي كونه عالما بقبح القبيح ، وبوجوب الواجب ، وبأنّه عالم غني عن فعل القبيح وعن الإخلال بالواجب. فمتى علم المستدلّ ذلك ، علم أنّه لا يجوز أن لا يعرّفنا البارئ عزوجل مصالحنا ومفاسدنا. لأنّ تعريف الألطاف واجب ، والحكيم لا يخلّ بواجب. ويعلم أيضا أنّه لا يجوز أن يدلّنا ويخاطبنا بما يفيد في المواضعة شيئا ما ، إلّا وهو عالم بأنّ ما يفيده الخطاب على ما يفيده إمّا أن يفيده بمجرّده أو بقرينة. لأنّه لو لم يعلم ذلك ، لكان قد لبّس علينا ودلّنا على خلاف الحق. وذلك قبيح (ب ، م ، ٩٠٨ ، ٩)
صفة النفس
ـ إن قيل : لم قلتم إنّ القديم لا يجوز عليه العدم والبطلان؟ قيل له : لأنّ القديم قديم لنفسه ، والموصوف بصفة النفس يستحيل خروجه عنها في حال من الأحوال (ن ، د ، ١٩١ ، ٢)
ـ الذي يدلّ على أنّ الموصوف بصفة النفس لا يجوز خروجه عنها فهو أنّ الذات وإن صحّ خروجها عن كل صفة تحصل عليها فإنّها لا تخرج من أنّه يصحّ العلم بها ، ولا يصحّ العلم بها إلّا على صفة تتميّز بها عن غيرها ، لأنّه لو لم يتعلّق العلم بها على صفة تتميّز بها عن غيرها لم يكن العلم المتعلّق بها علم تفصيل بل كان ذلك علم جملة. ثم لا علم يتعلّق بالذات على سبيل الجملة إلّا وله تفصيل. يبيّن ذلك أنّ العلم إنّما يتعلّق بالشيء على سبيل الجملة إذا