فقد دريت أنّ طبيعة الوجود فى وعاء الدّهر أعمّ تناولا من الوجود فى الواقع باعتبار الوقوع فى ذلك الزّمان بعينه أو الوجود فى الواقع بحسب الوقوع فى زمان آخر والوجود فى الواقع بحسب الحصول لا فى زمان وفى آن. ويكفى لتحقّق الطبيعة تحقّق فرد ما.
فإذن ، العدم فى زمان ما بخصوصه فقط ليس عدما دهريّا ولا هو مستلزم له ، لجواز تحقّق الوجود فى وعاء الدّهر بحسب الوقوع فى زمان آخر. فهو أعمّ منه بحسب التّحقّق. بل إنّ العدم فى جميع الأزمنة أيضا غير مستلزم للعدم فى وعاء الدّهر ، لجواز أن يكون الشّيء غير زمانىّ ، فيوجد فى وعاء الدّهر ولا يوجد فى شيء من الأزمنة ، بخصوصه ولا لا بخصوصه ولا فى جميع الأزمنة. والمقابل للوجود فى وعاء الدّهر هو العدم فى وعاء الدّهر ، لا العدم فى زمان ما بخصوصه أو لا بخصوصه أو فى جميع الأزمنة.
فإذا حقّقت ذلك ، فاعلم أنّ كلّ حادث زمانىّ فهو حادث دهرىّ أيضا ، وأنّ له أنحاء الحدوث الثّلاثة جميعا : الحدوث الذّاتىّ والحدوث الدّهرىّ والحدوث الزّمانىّ ؛ وله بحسب الحدوث الدّهرىّ المسبوقيّة بالعدم فى وعاء الدّهر ، وبحسب الحدوث الزّمانىّ المسبوقيّة بالعدم الزّمانىّ ؛ فإنّ لعدمه الّذي هو قبل زمان الحدوث اعتبارين : اعتبار أنّه عدم ذلك الحادث فى الواقع بما هو عدمه من غير أن يلحظ له امتداد أولا امتداد ، وهو بهذا الاعتبار عدم فى وعاء الدّهر ؛ واعتبار أنّه مقارن لزمان قبل زمان الحدوث ؛ لأنّ ذلك الحادث زمانىّ متخصص الوجود بزمان ما ، فيكون لا محالة غير متحقق الوجود قبل زمان الحدوث ، فيكون عدمه أيضا بحسب ذلك زمانيّا واقعا فى الزّمان القبل. وهو بهذا الاعتبار عدم فى افق الزّمان. وكذلك وجوده الحادث يجرى فيه الاعتباران بحسب اللّحاظين : لحاظ سنخ طبيعة الوجود بما هو وجود فى الواقع ولحاظ أنّه عرض له أن يتخصص بزمان ويمتدّ بامتداده.
فإذن ، وجود الحادث الزّمانىّ فى زمان وجوده يستلزم بطلان عدمه فى وعاء الدّهر من حيث حصوله فيه ، إذ تقرّر أحد المتقابلين يستلزم بطلان الآخر