فالإثبات الّذي يقابله صادق ، وهو أنّ هناك مقدار هذا الإمكان. والإثبات دلالة على وجود الأمر مطلقا ، وإن لم يكن دالاّ على نحو وجوده محصّلا فى آن أو على جهة ما. وليس هذا الوجه له بسبب التّوهّم ؛ فإنّه وإن لم يتوهّم كان هذا النّحو من الوجود وهذا النّحو من الصّدق حاصلا.
ومع هذا ، فيجب أن يعلم الموجودات منها ما هى متحققة الوجود محصّلته. ومنها ما هى أضعف فى الوجود. والزّمان يشبه أن يكون أضعف وجودا من الحركة ومجانسا لوجود امور بالقياس إلى امور ، وإن لم يكن الزّمان من حيث هو زمان مضافا ، بل قد تلزمه الإضافة.
ولمّا كانت المسافة موجودة ، وحدود المسافة موجودة ، صار الأمر الّذي من شأنه أن يكون عليها ومطابقا لها أو قطعا لها أو مقدار قطع لها نحو الوجود حتى إن قيل : إنّه ليس له البتة وجود كذب. فإن اريد أن يجعل للزّمان وجود لا على هذا السّبيل ، بل على سبيل التحصيل ، لم يكن إلاّ فى التّوهّم.
فإذن ، المقدّمة المستعملة ـ فى أنّ الزّمان لا وجود له ثابتا ، معناه : لا وجود له فى آن واحد ـ مسلّمة. ونحن لا نمنع أن يكون له وجود. وليس فى آن ، بل وجوده على سبيل التكوّن بأن يكون أيّ آنين فرضتهما كان بينهما الشّيء الّذي هو الزّمان ، وليس فى آن واحد البتة.
وبالجملة ، طلبهم أنّ الزّمان إن كان موجودا فهو موجود فى آن أو فى زمان ، أو طلبهم متى هو موجود ؛ ليس يجب آن نشتغل به ، فإنّ الزّمان موجود ، لا فى آن ولا فى زمان ولا له متى ، بل هو موجود مطلقا ، وهو نفس الزّمان ، فكيف يكون له وجود فى زمان.
فليس إذن قولهم : إنّ الزّمان إمّا أن لا يكون موجودا أو يكون وجوده فى آن أو يكون وجوده باقيا فى زمان ؛ قولا صحيحا ، بل ليس مقابل قولنا : إنّه ليس بموجود ، هو أنّه موجود فى آن ، أو موجود باقيا فى زمان ، بل الزّمان موجود ولا واحد من الوجودين ؛ فإنّه لا فى آن ولا باقيا فى زمان. وما هذا إلاّ كمن يقول : إمّا أن يكون