فإذن ، من قوليك : «إنّ الزّمان مقدار لكلّ حركة ، وإنّ حقيقة الزّمان أو إنيّته متعلقة بكلّ حركة» الصّحيح هو الأوّل دون الثانى ومن قوليك : «إنّ ذات الحركة متعلق بها الزّمان على سبيل أن يعرض لها ، وأنّ ذات الزّمان متعلّقة بالحركة على سبيل العروض لها». الصّحيح هو الثّاني دون الأوّل. فهذا جزئ تلك لا غير البتة لا تلك البتة تستتبع هذا. فليس إذا تعلّق ذات شيء بطبيعة شيء وجب أن لا تخلو طبيعة الشّيء عنه.
فإذن ، الحركات الّتي لها ابتداء وانتهاء فى الوجود على أىّ وجه كان عند الفلاسفة المتهوّسين بالقدم لبعض الجائزات وبلا تناهى الامتداد لبعض الكميّات وعلى وجه يستلزم وجود الآن بالفعل لا مطلقا عند الحكماء الرّاسخين المتوخّين برء مزاج الفلسفة عن سقام السّفسطة ، لا يتعلق بها زمان ، وإنّما يتقدّر بالزّمان المتعلّق بحركة الفلك الأقصى. وكذلك جملة الحركات غير تلك الحركة.
وبالجملة ، الحركات الاخرى يقدّرها الزّمان ، لا بأنّه مقدارها الأوّل الحالّ فيها ، بل بأنّه معها كالمقدار الّذي فى الذّراع يقدّر خشبة الذّراع بذاته ويقدّر سائر الأشياء بتوسّطه. ولهذا يجوز أن يكون زمان واحد مقدار الحركات فوق واحدة. وأمّا السّكون فليس هو ممّا يتقدّر بالزّمان وماله الكون فى الزّمان حقيقة. بل إنّما ينسب إليه ذلك على نحو من التّجوّز. والمعنى : أنّ السّاكن لو كان متحرّكا بدل السّكون كان مقدار حركته الزّمان.
فإن وقع فى نفسك أن تقول : لو فرض أنّه لم توجد الحركة الّتي يقال : إنّها بعينها محلّ الزّمان ، لزم أن يفقد الزّمان ، فيكون حينئذ إذا وجدت حركات غيرها كانت بلا تقدّم وتأخّر قبل ذلك ؛ وإن لم يكن حركة مستديرة لجرم مستدير الجهات لم تعرض للمستقيمة جهات. فلم يصحّ أن تقع حركات مستقيمة طبيعيّة ، فلم تكن قسريّة أيضا.
فإذن ، حركة جسم ما وحده ما لم تتحدّد الجهات ولم يحصل مقدار الحركات وبالجملة ، ما لا يتقوّم عالم الأجسام ، مستحيلة وإن لم تكن بيّنة الاستحالة فكثير من