تحصل فى العقل ، من إسناد بعض المتصوّرات إلى الموجود الخارجىّ ، وهى فى أنفسها معلولات للعقل بشرط الاستناد المذكور ، وليست بموجودات فى الخارج حتّى تكون علة للامور الّتي تستند إليها أو معلولا لها ؛ كما أنّ تصوّر زيد وإن كان معلولا لمن يتصوّره لا يكون علّة لزيد ولا معلولا له. وكون الشّيء واجبا فى الخارج هو كونه بحيث إذا عقله عاقل مستندا إلى الوجود الخارجىّ لزم فى عقله معقول هو الوجوب.
و [ربما شكّك] : بأن نقيض الوجوب ـ وهو اللاّوجوب ـ عدميّ ، فيكون هو ثبوتيّا. وأيضا ، هو تأكّد الوجود ، فكيف يكون عدميّا.
وازيح : بأنّه ليس عدميّا بمعنى المعدوم المطلق أو بمعنى ما يؤخذ فى مفهومه سلب شيء ، بل بمعنى المعدوم العينىّ الموجود فى الذّهن. والنّقيضان وإن اقتسما جملة المفهومات، فليس يلزم صدقهما كلّيّا على الموجودات العينيّة.
أليس الممتنع والممكن العامّ نقيضين ، والممتنع معدوم ، وليس يلزم أن يكون كلّ ممكن بالإمكان العامّ موجودا عينيّا ، بل ربما كان الممكن العامّ لا يوجد إلاّ فى الذّهن.
ثمّ قد يشكّك فيقال : قد سلف : إنّ ثبوت شيء لشيء لا يستدعى ثبوت الثّابت فى ظرف الاتّصاف ، بل إنّما المثبت له. فإذا كان بعض الأمور الذّهنيّة ، كالعمى ، مثلا ، ثابتا فى الخارج لشيء ، ومن الذّائعات المسلّمة أنّ وجود الصّفة فى نفسها هو وجودها للموصوف بعينه. فإذن يكون لمثل هذا الأمر الذّهنىّ وجود عينىّ ، فيكون من قبيل الأعراض الموجودة فى الأعيان ، وللعقل انقباض عن عدّة موجودا عينيّا فضلا عن جعله من تلك الأعراض.
ونحن قد عرّفناك ، من قبل ، أنّ قولنا : وجود «ج» ، مثلا ، فى نفسه بحسب ظرف ما هو بعينه وجوده ل «ب» بحسب ذلك الظّرف ليس كقولنا : وجود «ج» فى نفسه بحسب ظرف ما هو إنّه موجود ل «ب» ، بحسب ذلك الظرف ، وأنّ الأوّل لا يصحّ إلاّ أن يكون «ج» فى نفسه من الامور الموجودة فى ذلك الظّرف ، ولكن على