وعند ثلّة
يسيرة منهم يمتنع ذلك بالذّات بالنّظر إلى أيّة ماهيّة كانت ؛ فإنّ الاتّصاف
بطبيعة الوجود والعدم ممكن بالنّظر إلى كلّ ماهيّة إمكانيّة.
ثمّ العدم
الطارئ بالقياس إلى طبيعة مطلق الوجود ، أى : ارتفاع الوجودين معا عن الماهيّة من
بعد التلبّس ممتنع بالنّظر إلى أيّة ماهيّة كانت. وأمّا العدم الطارئ بالقياس إلى
الوجود العينىّ فلا يمتنع بالنظر إلى ماهيّة أصلا إلاّ الزّمان ، فإنّه يمتنع
العدم العينىّ الطارئ عليه بالنظر إلى سنخ ماهيّته. وليس كذلك الجوهر البسيط
المجرّد ، كالنّفس النّاطقة المجرّدة مثلا ؛ فإنّ عدمها العينىّ الطارئ إنّما
يمتنع من جهة عدم المادة الحاملة لإمكان ذلك العدم قبل حدوثه لا بالنّظر إلى نفس
حقيقتها ، ولا أرى امتناع التّعرّى عن الوجودين معا بالنّظر إلى الماهيّات مطلقا
ممكن التّبرهن على اصولهم.
وأمّا الّذي
يهدى إلى الصّراط المستقيم ـ وهو محجّة الحكمة اليمانيّة البيضاء ، ويشيه أن يكون
بالحقيقة طبخا للفلسفة اليونانيّة ـ فسبيله أن يقال : إنّ أوعية الوجود مختلفة
الطبائع ومتخالفة الأحكام ، وإنّ بين التّعرية وبين العرى عن الوجود بحسب تلك
الأوعية فرقانا.
فالماهيّة ـ
بعد ما أن تقرّرت وتجوهرت بجعل الجاعل ـ قد تتعرّى عن الوجود العينىّ فى أفق
الزّمان بحسب الإضافة إلى الأشياء الزّمانيّة. وأمّا فى دعاء الدّهر ، فإنّها لا
تتعرّى عن الوجود الّذي هو لها فى زمان وجودها ، ولها العري عن الوجود فى غير ذلك
الزّمان على معنى عدم التّلبّس بالوجود فى غير زمانه فى دعاء الدّهر أصلا.
والضّابط : أنّ
التّعرّى عن الوجود للحوادث الزّمانيّة ربّما يمكن بالنّظر إلى الحادث إذا كان
مادّيّا بحسب افق الزّمان ويرجع معناه فى الحقيقة إلى الاختصاص بزمان ما. وأمّا
بحسب وعاء الدّهر فيمتنع تعرّى الماهيّة عن طبيعة مطلق الوجود ، أى ارتفاع مطلق
الوجود عنها من بعد ما أن تقرّرت وإن أمكن لها بالنّظر إلى ذاتها العدم رأسا فى
وعاء الدّهر بأن لا يتقرر أصلا ، وهو العري ، أى عدم التّلبّس بالوجود ؛ فإنّ
العدم الطّارئ على الوجود فى وعاء الدّهر غير متصوّر أصلا ، بل إنّما يتصوّر فى
وعاء