(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
قال ابن عبّاس : لو كان من عند مخلوق لكان فيه كذب واختلاق باطل.
وقال الزّجّاج : لو لا أنّه من عند الله لكان فيه من الإخبار عن الغيب ممّا يسرّه المنافقون ، وما يبيّتونه مختلفا ، بعضه حقّا ، وبعضه باطلا ؛ لأنّ الغيب لا يعلمه إلّا الله.
وقال أهل المعانى : (لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) : أى لو كان من عند مخلوق (لكان) (١) على قياس كلام العباد بعضه بليغ حسن ، وبعضه مرذول (٢) فاسد ؛ فلمّا كان جميع القرآن بليغا / ولم يختلف ، عرف أنّه من عند الله ، وليس ـ بحمد الله ـ فى القرآن اختلاف تناقض ، ولا اختلاف تفاوت ؛ فأمّا اختلاف القراءات ، واختلاف مقادير الآيات والسّور ، واختلاف الأحكام فى النّاسخ والمنسوخ ، فكلّه حسن (وحقّ) (٣) ، وليس ذلك اختلافا يؤدّى إلى فساد وتناقض.
٨٣ ـ قوله جلّ جلاله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ...) الآية.
نزلت فى قوم كانوا يرجفون (٤) بسرايا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويخبرون بما وقع بها من هزيمة ، وبما أدركت من غنيمة ، قبل أن ((٥) يخبر به (٥)) النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيضعّفون قلوب المؤمنين ، ويؤذون النّبىّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بسبقهم إيّاه بالأخبار ؛ فأنزل الله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ) يعنى المنافقين ، وأصحاب الأراجيف (أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ) : حديث فيه أمن أو خوف ، يعنى الهزيمة (أَذاعُوا بِهِ) : أفشوه وأظهروه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ) : ولو سكتوا عنه حتّى يكون الرّسول هو الّذى يفشيه (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)
__________________
(١) أ ، ب : «كان».
(٢) حاشية ج : «أى ضعيف».
(٣) الإثبات عن ج.
(٤) أرجف القوم ؛ إذا خاضوا فى الأخبار السيئة وذكر الفتن. قال الله تعالى : (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) : وهم الذين يولّدون الأخبار الكاذبة التى يكون معها اضطراب فى الناس. (اللسان ـ مادة : رجف).
(٥ ـ ٥) ج : «يخبر بها» والمثبت عن أ ، ب. وانظر هذا وما بعده فى (الوجيز للواحدى ١ : ١٦٣) و (البحر المحيط ٣ : ٣٠٥) و (الدر المنثور ٢ : ٦٠٠ ـ ٦٠١).