أخبرنا أحمد بن نجدة ، حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا هشيم ، عن داود ، عن الشّعبىّ قال :
كان لأهل الجاهلية صنمان يقال لأحدهما : [إساف](١) ، وللآخر : نائلة ، وكان [إساف](١) على الصّفا ، وكان نائلة (٢) على المروة ؛ وكانوا (٣) إذا طافوا بين الصّفا والمروة مسحوهما ، فلمّا جاء الإسلام قالوا : إنّما كان أهل الجاهليّة يطوفون بينهما ـ لمكان هذين الصّنمين وليسا من شعائر الحجّ ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...) الآية.
فجعلهما الله من شعائر الحجّ ، والآية بظاهرها تدل (٤) على إباحة ما كرهوه ، ولكنّ السّنّة أوجبت الطّواف بينهما ، والسّعى ؛ وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : «يا أيّها النّاس كتب عليكم السّعى فاسعوا» (٥) ؛ وهو مذهب الشّافعىّ ـ رحمهالله ـ.
وقوله : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) قال الحسن : يعنى به الدّين كلّه ؛ والمعنى : فعل غير المفترض عليه ؛ من طواف وصلاة ، وزكاة ، ونوع من الطّاعة.
وقرأ حمزة (٦) : (ومن يطّوّع) ـ بالياء ، وجزم العين ؛ وتقديره : يتطوّع ، إلّا أنّ التاء أدغمت (٧) فى الطاء «لتقاربهما» (٨) ، وهذا حسن ؛ لأنّ المعنى على الاستقبال ؛ والشّرط
__________________
(١) فى المخطوط : «يساف» بالياء ـ والمثبت عن (تفسير القرطبى ٢ : ١٧٩) و (اسباب النزول للواحدى ٤٢) و (الدر المنثور ١ : ١٦٠) و (البحر المحيط ١ : ٤٥٦) و (صحيح مسلم ٣ : ٤١١) وفى (اللسان ـ مادة : أسف) «عن الجوهرى وغيره : إساف ونائلة : صنمان كانا لقريش وضعهما عمرو بن لحى على الصفا والمروة ؛ وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة».
(٢) أ : «ونائلة» ، ب : «وكانت نائلة».
(٣) أ : «فكانوا».
(٤) أ ، ب : «والآية تدل بظاهرها». حاشية ج : «أعنى قوله تعالى : (فَلا جُناحَ) تدل على نفى الحرج فى الطواف ، ولا تدل الآية على وجوب السعى ؛ ووجوب السعى إنما علم من السنة».
(٥) هذا الحديث رواه الطبرانى عن ابن عباس (الدر المنثور ١ : ١٦١) والبخارى فى (صحيحه ٧ : ١٩) وانظر هذا وما بعده فى (تفسير القرطبى ٢ : ١٨٣) و (البحر المحيط ١ : ٤٥٧) و (الأم للشافعى ٢ : ١١٣).
(٦) و «كذا عاصم والكسائى وخلف ـ بالغيب وتشديد الطاء وإسكان العين ، مضارعا مجزوما ب «مِنْ» الشرطية. وقرأ الباقون : (تَطَوَّعَ) بالتاء .. وتخفيف الطاء وفتح العين ، فعلا ماضيا ...» انظر (إتحاف البشر ١٥٠) و (البحر المحيط ١ : ٤٥٨).
(٧) أ : «أدغم».
(٨) ج : «لمقاربتهما» والمثبت عن أ ، ب و (تفسير الفخر الرازى ٢ : ٤٧).