ولمّا حوّلت القبلة قالت اليهود : يا محمد ما أمرت بهذا ، وإنّما هو شىء من عندك تبتدعه من تلقاء نفسك ، فأنزل الله :
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أى : إنّ اليهود عالمون أنّ المسجد الحرام قبلة إبراهيم ، وأنه حقّ ؛ (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)(١).
قال ابن عباس : يريد أنّكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتى ، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم ، وأنّ اليهود يطلبون سخطى ، وما أنا بغافل عن خزيهم فى الدّنيا والآخرة.
١٤٥ ـ قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ...) الآية.
قال أهل التّفسير (٢) : إنّ اليهود والنّصارى طلبوا من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الآيات ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وآيس نبيّه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن إيمانهم ؛ وذلك أنهم علموا صدق محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بما كانوا يرونه فى كتابهم من صفته ونعته ، ولكنّهم جحدوا مع تحقّق علمهم ، وما تغنى الآيات و «النّذر» (٣) عند من يجحد ما يعرف ؛ لذلك قال : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ).
وقوله : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) حسم بهذا (٤) أطماع اليهود فى رجوعه عليهالسلام إلى قبلتهم (وَما بَعْضُهُمْ) يعنى اليهود والنّصارى (بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ).
أخبر (٥) أنّهم وإن اتّفقوا [فى التظاهر](٦) على عداوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فهم مختلفون فيما بينهم ، فلا اليهود تستقبل المشرق ولا النّصارى تستقبل بيت المقدس.
__________________
(١) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائى : بالتاء على الخطاب ـ وعليها المصنف ـ ؛ وقرأ الباقون : بالياء ؛ وعلى كلا القراءتين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ، ولا يغفل عنها ، وهو متضمن الوعيد. انظر (البحر المحيط ١ : ٤٣٠) و (إتحاف فضلاء البشر ١٥) و (تفسير القرطبى ٢ : ١٦١).
(٢) ب : «قال المفسرون».
(٣) الإثبات عن أ ، ب.
(٤) الحسم : القطع. (اللسان ـ مادة : حسم) حاشية ج : «قوله : بهذا ؛ أى بقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ)».
(٥) حاشية ج : «أى : أخبر الله محمدا».
(٦) إضافة للبيان عن (الوجيز للواحدى ١ : ٣٩).