منّا ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا؟)(١) أى : أتخاصموننا وتجادلوننا؟ وهذا استفهام (٢) معناه : التّوبيخ.
وقوله : (فِي اللهِ) أى : فى دين الله (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أى : نحن وأنتم عبيد له. (وَلَنا أَعْمالُنا) نجازى بحسنها وسيّئها ([وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ] :) وأنتم فى أعمالكم على مثل سبيلنا ، لا يؤخذ بعضنا بذنب بعض (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ :) موحّدون.
قال ابن الأنبارى : وفى الآية إضمار وهو ، وأنتم غير مخلصين ، فحذف اكتفاء بقوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)(٣).
ومعنى الآية : لا حجّة لكم علينا فى دين ربّنا إذ كنّا نخلص له ، ولا نعبد معه سواه ، وأنتم تجعلون له الشّركاء.
١٤٠ ـ قوله : (أَمْ تَقُولُونَ) قرئ بالتّاء والياء (٤) ؛ فمن قرأ بالتّاء ، فلأنّ ما قبله من قوله : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) ، وما بعده من قوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) بالتّاء.
ومن قرأ بالياء ؛ فلأنّ المعنى لليهود والنّصارى وهم غيّب.
ومعنى الآية : كأنّه قيل : بل أتقولون إنّ الأنبياء الّذين ذكروا فى هذه الآية ـ من قبل أن تنزّل التوراة والإنجيل ـ : ([إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ] كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ؟)(٥) أى : قد أخبرنا الله أنّ الأنبياء كان دينهم الإسلام ، ولا أحد أعلم منه.
وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ؟) توبيخ لليهود.
قال ابن عباس : يريد من أظلم ممّن كتم شهادته الّتى أشهد عليها ؛ يريد أنّ الله
__________________
(١) كما فى (الوجيز للواحدى ١ : ٣٧) و (البحر المحيط ١ : ٤١٢).
(٢) ب : «وهذا الاستفهام».
(٣) سورة النحل : ٨١.
(٤) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائى وحفص ، وكذا رويس وخلف بالخطاب ، ووافقهم الأعمش : والباقون ؛ بالغيب. انظر (إتحاف فضلاء البشر ١٤٨ ـ ١٤٩).
(٥) حاشية ج : «يقول : إن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما».