واستدل بما روى عن مالك بن أنس حيث قال : «لا أوتى برجل غير عالم بلغات العرب يفسّر كتاب الله إلا جعلته نكالا» وعلّق عليه بقوله : «وكيف يتأنّى لمن جهل لسان العرب أن يعرف تفسير كتاب جعل معجزة ـ فى فصاحة ألفاظه ، وبعد أغراضه لسيد المرسلين؟ وإن مثل من طلب ذلك مثل من شهد الهيجا بلا سلاح ، ورام أن يصعد الهواء بغير جناح. ثم وإن طال تأمله مصنفات المفسرين ، وتتبعه أقوال أهل التفسير من المتقدمين والمتأخرين ، فوقف على معانى ما أودعوه كتبهم ، وعرف ألفاظهم التى عبّروا بها عن معانى القرآن ـ لم يكن إلا تابعا لهم فيما حكوه ، وعارفا معانى قول مجاهد ومقاتل وقتادة والسدّى وغيرهم ، دون معنى قول الله». وهذا دقة فى القول ، وثقة فى الرأى.
ثم تحدّث الواحدى ، عن طبقات المصنفين ، وأبان أن التابعين لم يتصنعوا فى جمع ما جمعوا ، ولم يتكلّفوا فى تتبع الخبايا من الزوايا ، وأن أرباب المعانى اقتصروا على الإعراب ، وأنه قلّ من المتأخرين ـ على اختلاف أغراضهم ومراتبهم ـ من تراه يعنى بسوق اللفظ على التفسير ، وإفراغه فى قوالب المعانى ؛ حتى يأتى به متسقا من غير ترجيح ، ومطردا من غير تخاذل.
ثم يصف كتابه ، ويشرح منهجه ، ويبين أنه لا سبيل إلى نهاية القول فى تفسير القرآن ، وأنه لذلك قد اعتزم إردافه بكتاب آخر أنضج منه ـ إن طال عمره ـ وذلك قوله : «وقد استخرت الله العظيم فى جمع كتاب أرجو أن يمدّنى الله فيه ـ بتوفيقه ، وحسن تيسيره ، حتى أبرزه كالقمر إنجاب سحابة ، والزلال صفا متنه واطّرد حبابه ، يؤدّى إلى المتأمّل نضرة الكلم العذاب ، ورونق الذهب المذاب ، سالكا نهج الإعجاز فى الإيجاز ، مشتملا على ما نقمت على غيرى إهماله ، ونعيت عليه إغفاله ، خاليا عما يكسب المستفيد ملالة ، ويتصور عند التصفّح إطالة. لا يدع لمن تأمله حارّة فى صدره ، حتى يخرجه من ظلمات الريب والتخمين ، إلى نور العلم وثلج اليقين.
هذا بعد أن يكون المتأمل مرتاضا فى صنعة الأدب والنحو ، مهتديا بطرق الحجاج قارحا