أخبر أن الذين تقدّموه من الرسل كانوا بشرا ، ولم تكن الخصوصية لهم إلا ظهور المعجزات عليهم. وفى الجملة الفضائل بالمعاني لا بالصورة ، ثم قال :
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً).
(فضّل بعضا على بعض ، وأمر المفضول بالصبر والرضاء ، والفاضل بالشكر على العطاء) (١) وخصّ قوما بالبلاء وجعلهم فتنة لأهل البلاء ، وخصّ قوما بالعوافي ، وآخرين بالأسقام والآلام ، فلا لمن نعّمه مناقب ، ولا لمن امتحنه معايب .. فبحكمه لا يجرمهم ، وبفضله لا بفعلهم ، وبإرادته لا بعبادتهم ، وباختياره لا بأوضارهم ، وبأقداره لا بأوزارهم ، وبه لا بهم.
قوله : (أَتَصْبِرُونَ؟) استفهام فى معنى الأمر ، فمن ساعده التوفيق صبر وشكر ، ومن قارنه الخذلان أبى وكفر.
قوله جل ذكره : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١))
(لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) : لا يؤمنون بالحشر والنشر والرجوع إلى الله فى القيامة من الدنيا. وكما كانوا لا يخافون العذاب ، ولا ينتظرون الحشر كذلك كانوا لا يؤمنون لقاء الله.
فمنّكر الرؤية من أهل القبلة ـ ممن يؤمن بالقيامة والحشر ـ مشارك لهؤلاء فى جحد ما ورد به الخبر والنقل ؛ لأن النّقل كما ورد بكون الحشر ورد بكون الرؤية لأهل الإيمان (٢).
فالذين لم يؤمنوا قالوه على جهة رؤية المقام لأنفسهم ، وأنه مسلم لهم ما اقترحوه من نزول
__________________
(١) ما بين القوسين فى م وغير موجود فى ص.
(٢) يعود القشيري بعد قليل إلى شرح موضوع الرؤية عند تفسيره الآية : (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً)