الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩))
هؤلاء فى استحقاق الذمّ أقبح منزلة ، وأشدّ وزرا حيث أحبوا افتضاح المسلمين ، ومن أركان الدين مظاهرة المسلمين ، وإعانة أولى الدّين ، وإرادة الخير لكافة المؤمنين. والذي يودّ فتنة للمسلمين فهو شرّ الخلق ، والله لا يرضى منه بحاله ، ولا يؤهله لمنال خلاصة التوحيد.
قوله جل ذكره : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠))
كرّر قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ..) ليبيّن للجميع أنّ حسن الدفع عنهم كان بفضله ورحمته وجميل المنح لهم ، وكلّ يشهد حسن المنح ويشكر عليه ، وعزيز عبد يشهد حسن الدفع عنه فيحمده على ذلك (١).
قوله جل ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)
إذا تنقى القلب عن الوساوس ، وصفا عن الهواجس بدت فيه أنوار الخواطر ، فإذا سما وقت العبد عن ذلك سقطت الخواطر ، وبدت فيه أحاديث الحق ـ سبحانه ـ كما قال فى الخبر : «لقد كان فى الأمم محدّثون فإن يكن فى أمتى فعمر». وإذا كان الحديث منه فذلك يكون تعريفا يبقى مع العبد ، ولا يكون فيه احتمال ولا إشكال ولا إزعاج ، وصاحبه يجب أن يكون أمينا ، غير مظهر لسرّ ما كوشف به (٢)
قوله جل ذكره : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
__________________
(١) أي يكثر فى الحياة من يشكر على نعمة المنح ويقل من يشكر على نعمة الدفع لأن الأولى تجرى بأثر ملموس ، والثانية تجرى ولا يكاد يشعر بها المرء.
(٢) هنا نجد القشيري يطالب بالكتمان دون الإفصاح ففى الكتمان حفظ للأمانة.