لم يجدد إليهم
رسولا إلا ازدادوا نفورا ، ولم ينزّل عليهم خطابا إلا ردّوه جحدا وتكذيبا ، وما
زدناهم فصلا إلا عدوّه هزلا ، وما جددنا لهم نعمة إلا فعلوا ما استوجبوا نقمة ،
فكان الذي أكرمناهم به محنة بها بلوناهم .. وهذه صفة من أساء مع الله خلقه ، وخسر
عند الله حقّه.
قوله جل ذكره :
(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ
السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣))
عميت بصائرهم
وغامت أفهامهم ، فهم فى غباوة لا يستبصرون ، وفى أكنة عمّا أقيم لهم من البرهان
فهم لا يعلمون.
قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ...) لمّا عجزوا عن معارضته ، وسقطوا عند التحدي ، وظهرت
عليهم حجّته رجّموا فيه الفكر ، وقسّموا فيه الظن ؛ فمرة نسبوه إلى السحر ، ومرة
وصفوه بقول الشعر ، ومرة رموه بالجنون وفنون من العيوب. وقبل ذلك كانوا يقولون عنه
: هو محمد الأمين ، كما قيل :
أشاعوا لنا
فى الحىّ أشنع قصة
|
|
وكانوا لنا
سلما فصاروا لنا حربا
|
قوله جل ذكره :
(قالَ رَبِّي يَعْلَمُ
الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤))
الأقاويل التي
يسمعها الحقّ ـ سبحانه ـ مختلفة ؛ فمن خطاب بعضهم مع بعض ، ومن بعضهم مع الحق.
والذين يخاطبون الحقّ : فمن سائل يسأل الدنيا ، ومن داع يطلب كرائم العقبي ، ومن
مثن يثنى على الله لا يقصد شيئا من الدنيا والعقبى.
ويقال يسمع
أنين المذنبين سرا عن الخلق حذرا أن يفتضحوا ، ويسمع مناجاة العابدين بنعت التسبيح
إذا تهجدوا ، ويسمع شكوى المحبين إذا مسّتهم البرحاء فضجّوا من شدة الاشتياق.
__________________