أي فلمّا خرج عليهم عرّفهم ـ من طريق الإشارة (١) ـ أنّ اللسان الذي كان يخاطبهم به ليس الآن منطلقا.
قوله جل ذكره : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣))
أي قلنا له يا يحيى خذ الكتاب بقوة منّا ، خصصناك بها .. لا قوة يد ولكن قوة قلب ، وذلك خير خصّه الله تعالى به وهو النبوة.
ودلّت الآية على أنه كان من الله له كتاب.
(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي النبوة ، بعثه الله بها إلى قومه ، وأوحى إليه وهو صبّى.
ويقال الحكم بالصواب والحقّ بين الناس.
ويقال الحكم هو إحكام الفعل على وجه الأمر.
قوله (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أي آتيناه رحمة من عندنا ، وطهارة وتوفيقا لمجلوبات التقوى وتحقيقا لموهوباتها ؛ فإن التقوى على قسمين : مجموع ومجلوب يتوصّل إليه العبد بتكلّفه وتعلّمه ، وموضوع من الله تعالى ومرهوب منه يصل إليه العبد ببذله سبحانه وبفضله.
قوله جل ذكره : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤))
(بَرًّا بِوالِدَيْهِ) كأمر الله ـ سبحانه ـ له بذلك لا لمودّة البشر وموجب عادة الإنسانية. ولم يكن متمردا عن الحق ، جاحدا لربوبيته.
قوله جل ذكره : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))
أي له منّا أمان يوم القيامة ، ويوم ولادته فى البداية ، ويوم وفاته فى النهاية ، وهو أن يصونه عن الزّيغ والعوج فى العقيدة بما يشهده على الدوام من حقيقة الإلهية.
__________________
(١) كأنما يقصد القشيري إلى بيان أنّ الإشارة تغنى عن العبارة وأنها بأمر إلهى.