قوله جل ذكره : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩))
القرآن يدل على الحقّ والصواب. و (أَقْوَمُ) : هنا بمعنى المستقيم الصحيح كأكبر بمعنى الكبير ؛ فالقرآن يدل على الحق والصواب ، ولكنّ الخلل من جهة المستدلّ لا الدليل ، إذ قد يكون الدليل ظاهرا ولكنّ المستدلّ معرض ، وبآداب النظر مخلّ ، فيكون العيب فى تقصيره لا فى قصور الدليل (١).
القرآن نور ؛ من استضاء به خلص من ظلمات جهله ، وخرج من غمار شكّه. ومن رمدت عيون نظره التبس رشده.
ويقال الحول ضرره أشدّ من العمى ؛ لأنّ الأعمى يعلم أنه ليس يبصر فيتبع قائده ، ولكن الأحوال يتوهّم الشيء شيئين ، فهو بتخيّله وحسبانه يمارى من كان سليما .. كذلك المبتدع إذا سلك طريق الجدل ، ولم يضع النظر موضعه بقي فى ظلمات جهله ، وصال بباطل دعواه على خصمه ، كما قيل :
بأطراف المسائل كيف يأتى |
|
ـ ولا أدرى لعمرك ـ مبطلوها؟ |
قوله جل ذكره : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١))
من الأدب فى الدعاء ألّا يسأل العبد إلّا عند الحاجة (٢) ، ثم ينظر فإنّ كان شىء لا يعنيه ألا يتعرّض له ؛ فإنّ فى الخبر (٣) : «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه». ثم من آداب الداعي إذا سأل من الله حاجته ورأى تأخيرا فى الإجابة ألا يتّهم الحقّ ـ سبحانه ـ ويجب أن يعلم
__________________
(١) هذا نموذج مصغر لأسلوب القشيري الجدلي.
(٢) وردت (نجاحه) وهى خطأ فى النسخ.
(٣) وردت (الخير) بالياء