فجعل الإبريسم فى الدود وهو أضعف الحيوانات ، وجعل العسل فى النحل وهو
أضعف الطيور ، وجعل الدّرّ فى الصدف وهو أوحش حيوان من حيوانات البحر ، وكذلك أودع الذهب والفضة
والفيروزج فى الحجر ... كذلك أودع المعرفة به والمحبة له فى قلوب المؤمنين وفيهم
من يعصى وفيهم من يخطىء .
قوله جل ذكره :
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ
ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا
يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))
خلق الإنسان فى
أحسن تركيب ، وأملح ترتيب ، فى الأعضاء الظاهرة والأجزاء الباطنة ، والنور والضياء
، والفهم والذكاء. ورزقه من العقل والتفكر ، والعلم والتبصر ، وفنون المناقب التي
خصّ بها من الرأى والتدبير ، ثم فى آخر عمره يجعله إلى أرذل العمر مردودا ، ويرى
فى كل يوم ألما جديدا.
ويقال (مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ
الْعُمُرِ) : وهو أن يرد إلى الخذلان بعد التوفيق ؛ فهو يكون فى
أول أحوال عمره مطيعا ثم يصير فى آخر عمره عاصيا.
ويقال أرذل
العمر أن يرغب فى عنفوان شبابه فى الإرادة ، ويسلك طريق الله مدّة ، ثم تقع له
فترة ، فيفسخ عقد إرادته ، ويرجع إلى طلب الدنيا. وعند القوم هذه ردّة فى هذا
الطريق.
ويقال أرذل
العمر رغبة الشيخ فى طلب.
ويقال أرذل
العمر حبّ المرء للرياسة.
__________________