إذا بيّن الله صدق ما ورد به الشرع فى الآخرة بكشف الغيب زاد افتضاح أهل التكذيب فيكون فى ذلك زيادة لهم فى التعذيب.
قوله جل ذكره : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠))
فيكون بالسمع علم تعلّق قوله بما يفعله. وحمله قوم على أن معناه أنه لا يتعسّر عليه فعل شىء أراده ، فالآية على القولين جميعا.
والذي لا يحتاج فى فعله إلى مادة يخلق منها لا يفتقر إلى مدة يقع الفعل فيها.
وتدل الآية على أنّ قوله ليس بمخلوق ؛ إذ لو كان مخلوقا لكان مقولا له : كن ، وذلك القول يجب أن يكون مقولا له بقول آخر ... وهذا يؤدى إلى أن يتسلسل ما يحصل إلى ما لا نهاية له (١).
قوله جل ذكره : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))
من هاجر عن أوطان السوء ـ فى الله ـ أبدل له الله فى جوار أوليائه ما يكون له فى جوارهم معونة على الزيادة فى صفاء وقته. ومن هجر أوطان الغفلة مكّنه الله من مشاهد الوصلة. ومن فارق مجالسة المخلوقين ، وانقطع بقلبه إليه ـ سبحانه ـ باستدامة ذكره ـ فكما فى الخبر : «أنا جليس من ذكرنى». وبداية هؤلاء القوم نهاية أهل الجنة ؛ ففى الخير «الفقراء الصابرون جلساء الله يوم القيامة». ويقال القلب مظلوم من جهة النّفس لما تدعوه إليه من شهواتها ، فإذا هجرها أورث الله القلب أؤطان النّفس حتى تنقاد لما يطالب به القلب
__________________
(١) كلام الله ليس بمخلوق ـ هذا أصل عام من أصول المذهب الأشعري الذي يعد القشيري من أعظم أنصاره. وقد ناقش هذه القضية بإسهاب فى كتابه القيم : «شكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة». وانظر أيضا كتابنا (الإمام القشيري : تصوفه وأدبه ـ فصل : القشيري متكلما) :