وقدّم الله ـ سبحانه
ـ اسم الله فى هذا المحل على اسميه الرحمن والرحيم على وجه البيان والحكم ،
فبرحمته الدنيوية وصل العبد إلى معرفته الإلهية.
والإشارة من
الباء ـ التي هى حرف التضمين والإلصاق ـ إلى أنّ «به» عرف من عرف ، وبه وقف من وقف
؛ فالواصل إليه محمول بإحسانه ، والواقف دونه مربوط بخذلانه.
قوله جل ذكره :
(الر تِلْكَ آياتُ
الْكِتابِ الْمُبِينِ (١))
التخاطب
بالحروف المتفرقة غير المنظومة سنّة الأحباب فى ستر المحابّ ؛ فالقرآن ـ وإن كان
المقصود منه الإيضاح والبيان ـ ففيه تلويح وتصريح ، ومفصّل ومجمل ، قال قائلهم :
أبكى إلى
الشرق إن كانت منازلكم
|
|
مما يلى
الغرب خوف القيل والقال
|
ويقال وقفت
فهوم الخلق عن الوقوف على أسراره فيما خاطب به حبيبه ـ صلىاللهعليهوسلم ، فهم تعبدوا به وآمنوا به على الجملة ولكنه أفرد
الحبيب بفهمه ، فهو سرّ الحبيب عليهالسلام بحيث لا يطلع عليه الرقيب ، يقول قائلهم :
بين المحبين
سرّ ليس يفشيه
|
|
قول ، ولا
قلم للخلق يحكيه
|
وفى إنزال هذه
الحروف المقطعة إشارة : وهى أنّ من كان بالعقل والصحو استنبط من اللفظ اليسير
كثيرا من المعاني ، ومن كان بالغيبة والمحو يسمع الكثير فلا يفهم منه اليسير ؛ ذاك
لكمال عقله وهذا لتمام وصله ؛ فأنزل الله هذه الحروف التي لا سبيل إلى الوقوف على
معانيها ، ليكون للأحباب فرجة حينما لا يقفون على معانيها بعدم السبيل إليها فلا
تتوجه عليهم مطالبة بالفهم ، وكان ذلك لائقا بأحوالهم إذا كانوا مستغرقين فى عين
الجمع ، ولذا قيل : استراح من العقل له .
وقوله تعالى : (تِلْكَ) يحتمل أن يكون إشارة إلى أن هذا خبر الوعد الذي وعدناك.
__________________