قوله جل ذكره : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ...) الآية
مثل الكافر فى كفره كالأعمى والأصم ، ومثل المؤمن فى إيمانه كالسميع والبصير ـ هذا بيان التفسير.
والإشارة فيه أن الأعمى من عمى عن الإبصار بسرّه ، والأصمّ الذي طرش بسمع قلبه ؛ فلا باستدلاله شهد سر تقديره فى أفعاله ، ولا بنور فراسة توهم ما وقف عليه من مكاشفات الغيب لقلبه ، ولا بسمع القبول استجاب لدواعى الشريعة ، ولا بحكم الإنصاف انقاد لما يتوجّب عليه من مطالبات الوقت مما يلوح لسرّه من تلويحات الحقيقة.
وأما البصير فهو الذي يشهد من الحق أفعاله بعلم اليقين ، ويشهد صفاته بعين اليقين ، ويشهد ذاته بحق اليقين ، والغائبات له حضور ، والمستورات له كشف. فالذى يسمع فصفته ألا يسمع هواجس النّفس ولا وساوس الشيطان ؛ فيسمع من دواعى العلم شرعا ، ثم من خواطر التعريف قدرا ، ثم يكاشف بخطاب من الحق سرّا (١)
فهؤلاء لا يستويان ، ولا فى طريق يلتقيان :
راحت مشرّقة ورحت مغرّبا |
|
فمتى التقاء مشرّق ومغرّب؟! |
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦))
كان نوح عليهالسلام أطول الأنبياء عمرا وأشدّهم بلاء ، وسمى نوحا لكثرة نوحه على نفسه .. وسبب ذلك أنه مرّ بكلب فقال : ما أقبحه! فأوحى الله إليه أن اخلق أنت أحسن من هذا. فأخذ يبكى وينوح على نفسه كلّ ذلك النّوح. فكيف بحال من لم يذكر يوما مما مضى من عمره فى مدة تكليفه ـ ولم يحصل منه لله كثير من ولاية!؟
__________________
(١) تفيد هذه الإشارة فى بيان أحكام «السماع» عند الصوفية.