النبوية إلا جحدا على جحد ، وما خفى عليهم اليوم صادق الدلالة ، إلا لما تقدم لهم سابق الضلالة. لذلك قال الله تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
قوله جل ذكره : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)
الإشارة فيه إلى حال من سلك طريق الإرادة ، ثم رجع إلى ما هو عليه أهل العادة ، قال بترك نفسه ثم لم يصدق حين عزم الأمر ، ونزل من إشارة الحقيقة إلى رخص الشريعة (١) ، وكما أنّ من سلك الطريق بنفسه ـ مادام يبقى درهم فى كيسه ـ فغير محمود رجوعه فكذلك من قصد بقلبه ـ مادام يبقى نفس من روحه ـ فغير مرضىّ رجوعه :
إن الألى ماتوا على دين الهدى |
|
وجدوا المنية منهلّا معلولا (٢) |
ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل : وصل أسباب الحق بقطع أسباب الخلق ، ولا يتم وصل ماله إلا بقطع ما لك ، فإذا كان الأمر بالعكس كان الحال بالضد.
ومما أمر العبد بوصله : حفظه ذمام أهل هذه الطريقة ، والإنفاق على تحصيل ذلك بصدق الهمم لا ببذل النّعم ، فهممهم على اتصال أسباب هذه الطريقة وانتظام أحوالها موقوفة ، وقلوبهم إلى توقع الحراسة من الله تعالى لأهلها مصروفة. وفساد هذه الطريقة فى الأرض : أما من لهم حواشى أحوالهم ، وإطراق أمورهم فيتشاغلون عن إرشاد مريد بكلامهم ، وإشحاذ قاصد بهممهم ؛ وذلك مما لا يرضى به الحق سبحانه منهم.
ومن نقض العهد أيضا أن يحيد سرّك لحظة عن شهوده ، ومن قطع ما أمرت بوصله
__________________
(١) من عناصر المذهب الصوفي عند القشيري إلحاحه الدائم على ألا يلجأ الصوفي إلى الاسترخاص ، ذلك لأن الرخصة ـ وإن كانت متاحة بأمر الشريعة ـ إلا أنها ـ أي الشريعة ـ للعموم ، وفيها يؤخذ فى الاعتبار أمر المستضعفين وأصحاب الأشغال والحوائج أما «هؤلاء الطائفة فليس لهم شغل سوى القيام بحقه سبحانه ، فإذا انحط الفقير عن درجة الحقيقة إلى رخصة الشريعة فقد فسخ عهده مع الله تعالى».
الرسالة ص ١٩٩.
(٢) وردت (الهوى) وفى موضع آخر من اللطائف (و ١٦٥) وردت : (منهلا معسولا).