على القتال كانت لهم قوة ، وبأمر الله كانت لهم قوة ؛ فقوة الصحابة كانت بالنبي ـ عليه الصلاة والسّلام ، وتحريضه إياهم وقوتهم بذلك كانت بالله وبأمره إياه .. وشتّان ما هما!
قوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) : والضّعف الذي علم فيهم كان ضعف الأشباح فخفّف عنهم ، أما القلوب فلم يتداخلها الضعف فحمل من ممارسة القتال بالعذر المذكور فى الكتاب.
والعوام يحملون المشاقّ بنفوسهم وجسومهم ، والخواص بقلوبهم وهممهم ، وقالوا : «والقلب يحمل ما لا يحمل البدن» وقال آخر.
وإن ترونى أعاديها فلا عجب |
|
على النفوس جنايات من الهمم |
قوله جل ذكره : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧))
أي لا ينبغى لنبى من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ أن يأخذ أسارى من أعدائه ثم يرضى بأن يأخذ منهم الفداء ، بل الواجب عليه أن يثخن فى الأرض أي يبالغ فى قتل أعدائه ـ إذ يقال أثخنه المرض إذا اشتدّ عليه. وقد أخذ النبي ـ صلىاللهعليهوسلم يوم بدر منهم الفداء ، وكان ذلك جائزا لوجوب القول بعصمته ، ولكن لو قاتلتم كان أولى. وأراد ب (عَرَضَ الدُّنْيا) أخذ الفداء ، والله جعل الفداء ، والله جعل رضاه فى أن يقاتلوهم ، وحرمة (١) الشرع خلاف رحمة الطبع ؛ فشرط العبودية أن يؤثر العبد الله ، وإذا كان الأمر بالغلظة فكما قال تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (٢).
__________________
(١) وردت (ورحمة) الشرع والصواب (وحرمة الشرع) والمعنى إن اتباع الأمر أولى من تحكيم عاطفة الرحمة بهم.
(٢) آية ٢ سورة النور.