يقال فى : كل زمان تقع فترة فى سبيل الله ثم تتجدد الحال ، ويعمّ الطريق بإبداء السالكين من كتم العدم ، ولقد كان زمان الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أكثر الأزمنة بركة ، فأحيا بظهوره ما اندرس من السبيل ، وأضاء بنوره ما انطمس من الدليل ، وبذلك منّ عليهم ، وذكّرهم عظيم نعمته فيهم.
قوله جل ذكره : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠))
كان الأمر لبنى إسرائيل ـ على لسان نبيّهم ـ بأن يتذكروا نعمة الله عليهم ، وكان الأمر لهذه الأمة (١) ـ بخطاب الله لا على لسان مخلوق ـ بأن يذكروه فقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢) وشتان بين من أمره بذكره ـ سبحانه ـ وبين من أمره بذكر نعمته! ثم جعل جزاءهم ثوابه الذي هو فضله ، وجعل جزاء هذه الأمة خطابه الذي هو قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
قوله جل ذكره : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً).
الملك من المخلوقين من عبد الملك الحقيقي.
ويقال الملك من ملك هواه ، والعبد من هو فى رقّ شهواته.
ويقال (جَعَلَكُمْ مُلُوكاً) : لم يخرجكم إلى أمثالكم ، ولم يحجبكم عن نفسه بأشغالكم ، وسهّل إليه سبيلكم فى عموم أحوالكم.
قوله جل ذكره : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
لئن آتى بنى إسرائيل بمقتضى جوده فقد أغنى عن الإيتاء هذه الأمة فاستقلوا بوجوده ، والاستقلال بوجوده أتمّ من الاستغناء بمقتضى جوده.
__________________
(١) يقصد أمة المصطفى صلىاللهعليهوسلم.
(٢) آية ١٥٢ سورة البقرة.