هاهنا نعمة الدّين ، وإتمامها وفاء المآل ، واقتران الغفران وحصوله. فإكمال الدين تحقيق المعرفة ، وإتمام النعمة تحصيل المغفرة. وهذا خطاب لجماعة المسلمين ، ولا شك فى مغفرة جميع المؤمنين ، وإنما الشك يعترى فى الآحاد والأفراد هل يبقى على الإيمان؟
قوله جل ذكره : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
وذلك لما قسم للخلق أديانهم ؛ فخصّ قوما باليهودية ، وقوما بالنصرانية ، إلى غير ذلك من النّحل والملل ، وأفرد المسلمين بالتوحيد والغفران.
وقدّم قوم الإكمال على الإتمام ، فقالوا : الإتمام يقبل الزيادة ، فلذلك وصف به النعمة لقبول النّعم للزيادة ، ولا رتبة بعد الكمال فلذلك وصف به الدين.
ويقال لا فرق بين الدّين والنعمة المذكورة هاهنا ، وإنما ذكر بلفظين على جهة التأكيد ، ثم أضافه إلى نفسه فقال : (نِعْمَتِي) وإلى العبد فقال : (دِينِكُمْ). فوجه إضافته إلى العبد من حيث الاكتساب ، ووجه إضافته إلى نفسه من حيث الخلق. فالدين من الله عطاء ، ومن العبد عناء (١) ، وحقيقة الإسلام الإخلاص والانقياد والخضوع لجريان الحكم بلا نزاع فى السّرّ.
قوله جل ذكره : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
الإشارة من هذه الآية أنه لو وقع لسالك فترة ، أو لمريد فى السلوك وقفة ، ثم تنبّه لعظيم واقعه فبادر إلى جميع الرّجعة باستشعار التحسّر على ما جرى تداركته الرحمة ، ونظر الله ـ سبحانه ـ إليه بقبول الرجعة.
والإشارة من قوله (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) أي غير معرّج على الفترة ، ولا مستديم لعقدة الإصرار ، ويحتمل أن يكون معناه من نزل عن مطالبات الحقائق إلى رخص العلم لضعف وجده فى الحال فربما تجرى معه مساهلة إذا لم يفسخ عقد الإرادة.
__________________
(١) هذه العبارة تساوى فى المعنى ما سبق ذكره ان «الدين موهوب ومطلوب» والمقصود بالعناء أن الدين معاناة وممارسة من جانب العبد.