عقيدتهم فى الطريقة بعد إيمانهم بها ؛ قال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
والإشارة فى قوله تعالى : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) لهؤلاء أنهم يتحيّرون فى أمرهم فلا إقبال لهم على الصواب بالحقيقة ، ولا إعراض بالكلية ، يحيلون فترتهم على سوء اختيارهم ، ويضيفون صفوة ـ لو كانت لقلوبهم ـ إلى اجتهادهم ، وينسون ربّهم فى الحالين ، فلا يبصرون تقدير الحق سبحانه. قال تعالى :
(قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) : فمن عرف أن المنشئ الله انسلخ عن اختياره وأحواله كانسلاخ الشّعر عن العجين ، وسلّم أموره إلى الله بالكلية. وأمارة من تحقق بذلك أن يستريح من كدّ تدبيره ، ويعيش فى سعة شهود تقديره.
وقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) : لم يخلصوا فى عقائدهم ، وأضمروا خلاف ما أظهروا ، وأعلنوا غير ما ستروا ، وأحالوا الكائنات على أسباب توهموها.
قال تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) :
أخبر أن التقدير لا يزاحم (١) ، والقدر لا يكابر ، وأن الكائنات محتومة ، وأن الله غالب على أمره.
وقوله : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) : فأمّا أهل الحقائق فإنه تعالى ينتزع من قلوبهم كل آفة وحجبة ، ويستخلص أسرارهم بالإقبال والزلفة ، فتصبح قلوبهم خالصة من الشوائب ، صافية عن العلائق ، منفردة للحق ، مجرّدة عن الخلق ، محرّرة عن الحظّ والنّفس ، ظاهرة عليها آثار الإقبال ، غالبا عليها حسن التّولّى ، بادية فيها أنوار التجلي.
قوله جل ذكره : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
__________________
(١) وردت بالهاء والصواب أن تكون بالحاء.