لا يكون فى حالة واحدة فى مكانين ؛ فمن دخل بيت ربّه فبالحرىّ أن يخرج عن معاهد (١) نفسه.
قوله جل ذكره : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
شرط الغنىّ ألا يدّخر عن البيت شيئا من ماله ، وشرط الفقير ألا يدخر عن الوصول إلى بيته نفسا من روحه.
ويقال الاستطاعة فنون ؛ فمستطيع بنفسه وماله وهو الصحيح السليم ، ومستطيع بغيره وهو الزّمن المعصوب ، وثالث غفل الكثيرون عنه وهو مستطيع بربه وهذا نعت كل مخلص مستحق فإن بلاياه لا تحملها إلا مطايانا.
ويقال حج البيت فرض على أصحاب الأموال ، وربّ البيت فرض على الفقراء فرض حتم ؛ فقد ينسدّ الطريق إلى البيت ولكن لا ينسدّ الطريق إلى رب البيت ، ولا يمنع الفقير عن ربّ البيت.
ويقال الحج هو القصد إلى من تعظّمه : فقاصد بنفسه إلى زيارة البيت ، وقاصد بقلبه إلى شهود رب البيت ، فشتان بين حج وحج ، هؤلاء تحللهم عن إحرامهم عند قضاء منسكهم وأداء فرضهم ، وهؤلاء تحللهم عن إحرامهم عند (٢) شهود ربهم ، فأمّا القاصدون بنفوسهم فأحرموا عن المعهودات من محرمات الإحرام ، وأمّا القاصدون بقلوبهم فإنهم أحرموا عن المساكنات وشهود الغير وجميع الأنام.
قوله جل ذكره : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)
ضرب رقم الكفر على من ترك حج البيت ، ووقعت بسبب هذا القول قلوب العلماء فى كدّ التأويل ، ثم قال : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وهذا زيادة تهديد تدل على زيادة تخصيص.
ويقال إن سبيل من حج البيت أن يقوم بآداب الحج ، فإذا عقد بقلبه الإحرام يجب أن
__________________
(١) أي مألوفات نفسه.
(٢) وردت (عن) والصحيح (عند).