يحتمل أن يكون هذا ابتداء أمر من الله سبحانه للمسلمين ، والإشارة فيه ألا تعاشروا الأضداد ، ولا تفشوا أسراركم للأجانب.
(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ).
فهو الذي يختص من يشاء بأنوار التعريف ، ويختص من يشاء بالخذلان والحرمان.
قوله جل ذكره : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤))
يختص من يشاء بفنون إنعامه ، فالرحمة على هذا سبب لتخصيص النعمة لمن أراده. ولا بدّ من إضمار فيحتمل أن يختص بالرحمة من يشاء فلا تجرى الرحمة مجرى السبب فالرحمة على هذا التأويل تكون بمعنى النبوة وتكون بمعنى الولاية.
وبمعنى العصمة وجميع أقسام الخيرات التي يختصّ ـ بشىء منها ـ عبدا من عباده ، فيدخل تحت قوله : يختص برحمته ، أي بنعمته.
فقوم اختصهم بنعمة الأخلاق وقوم اختصهم بنعمة الأرزاق ، وقوم اختصهم بنعمة العبادة وآخرين بنعمة الإرادة ، وآخرين بتوفيق الظواهر وآخرين بعطاء الأبشار ، وآخرين بلقاء الأسرار ، قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها).
ويقال لمّا سمعوا قوله : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) ، علموا أن الوسائل ليست بهادية (١) ، وإنما الأمر بالابتداء والمشيئة.
ويقال يختص برحمته من يشاء بالفهم عنه فيما يكاشفه به من الأسرار ويلقيه إليه من فنون التعريفات.
قوله جل ذكره : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) ... الآية
__________________
(١) وصدق الرسول الكريم حين قال : «إنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا. إلا أن يتغمدنى الله برحمته» رواه الشيخان عن عائشة