سؤال كل أحد يدلّ على حاله ؛ لم يسألوا عن حكم ولا عن مخلوق ولا عن دين (١) ولا عن دنيا ولا عن عقبى بل سألوا عنه فقال تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي). وليس هؤلاء من جملة من قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) ، ولا من جملة من قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) ، ولا من جملة من قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) ، ولا من جملة من قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ، ولا من جملة من قال : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ، و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ).
هؤلاء قوم مخصوصون : (وَإِذا سَأَلَكَ) (٢) (.... عِبادِي عَنِّي).
أي إذا سألك عبادى عنى فبما ذا تجيبهم؟ ليس هذا الجواب بلسانك يا محمد ، فأنت وإن كنت السفير بيننا وبين الخلق فهذا الجواب أنا أتولاه (فَإِنِّي قَرِيبٌ) (رفع الواسطة من الأغيار عن القربة فلم يقل قل لهم إنى قريب بل قال جل شأنه : فإنى قريب) (٣).
ثم بيّن أن تلك القربة ما هى : حيث تقدّس الحقّ سبحانه عن كل اقتراب بجهة أو ابتعاد بجهة أو اختصاص ببقعة فقال : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) وإن الحق سبحانه قريب ـ من الجملة والكافة ـ بالعلم والقدرة والسماع والرؤية ، وهو قريب من المؤمنين على وجه التبرية والنصرة وإجابة الدعوة ، وجلّ وتقدّس عن أن يكون قريبا من أحد بالذات والبقعة ؛ فإنه أحدىّ لا يتجه فى الأقطار ، وعزيز لا يتصف بالكنه والمقدار.
قوله جل ذكره : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
لم يعد إجابة من كان باستحقاق زهد أو فى زمان عبادة بل قال دعوة الداعي متى دعانى وكيفما دعانى وحيثما دعانى ثم قال : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) هذا تكليف ، وقوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ
__________________
(١) تكررت كلمة (دنيا) مرتين فرجحنا أن تكون الأولى (دين) وتركنا الثانية (دنيا) لتتقابل مع (عقبى).
(٢) وضع الناسخ علامة تشعر بوجود كلمات زائدة بين (سألك) ... (وعبادى) فحذفنا الزائدة.
(٣) ما بين القوسين تكملة من الهامش استدركها الناسخ فوضعناها فى موضعها.