الظَّالِمِينَ) وليس هذا كنعيم الدنيا وسعة الأرزاق فيها ، فهى لا ادّخار لها عن أحد وإن كان كافرا ، ولذلك :
قال جلّ ذكره : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
فقال الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً)
يعنى ليس للدنيا من الخطر ما يمنعها عن الكفار ، ولكن عهدى لا يناله إلا من اخترته من خواص عبادى.
أمّا الطعام والشراب فغير ممنوع من أحد.
أمّا الإسلام والمحاب فغير مبذول لكل أحد.
قوله جل ذكره : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً).
واذكر يا محمد حين جعلنا البيت ـ يعنى الكعبة ـ مثابة للناس إليه يثوبون ، ومأمنا لهم إليه يرجعون ، وإياه من كل نحو يقصدون.
هو بيت خلقته من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل ؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخلقة انفصل ، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل (١) ، وكلّ من التجأ إلى ذلك البيت أمن من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام ، والتوبة عن الآثام.
ويقال بنى البيت من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد.
بيت من وقع عليه ظلّه أناخ بعقوة (٢) الأمن.
__________________
(١) قارن رأى القشيري الصوفي الحريص بآراء بعض الصوفية الذين أوتوا حظا من الجرأة فى التعبير. عن هذا الموضوع ، من ذلك مثلا قول رابعة «لا أريد الكعبة بل رب الكعبة أما الكعبة فماذا أفعل بها ... ولم تشأ أن تنظر إليها (تذكرة الأولياء. العطار ج ١ ص ٦١).
وقول الحلاج : «إن شوقنا إلى الله يجب أن يمحو عقليا فى نفوسنا صورة الكعبة ، كيما نجد من أقامها «شخصيات قلقة فى الإسلام. د. بدوي ص ٦٨.
(٢) العقوة ـ الموضع المتسع أمام الدار أو المحلة أو حولهما (الوسيط ص ٦٢٤).