فأبدا (١) سرّك فى الترقي ، وقدرك فى الزيادة بحسن التّولّي
وقيل ما رقّاك عن محل العبودية إلا سلكك بساحات الحرية ، وما رفع عنك شيئا من صفات (٢) البشرية إلا أقامك بشاهد من شواهد الألوهية.
قوله جل ذكره : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧))
سنّته ـ سبحانه ـ أن يجذب أولياءه عن شهود ملكه إلى رؤية ملكه (٣) ، ثم يأخذهم من مطالعة ملكه إلى شهود حقّه ، فيأخذهم من رؤية آياته إلى رؤية صفاته ، ومن رؤية صفاته إلى شهود ذاته.
قوله جل ذكره : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨))
إنّ بنى إسرائيل آذوا موسى عليهالسلام ، فنهى المسلمون عن فعل ما أسلفوه ، وأمروا
__________________
ـ فنحن نعرف من مذهب القشيري ان العبادة للعوام من المؤمنين ، والعبودية للخواص ، والعبودة لخاص الخاص.
العبادة لأصحاب المجاهدات ، والعبودية لأرباب المكابدات ، والعبودة صفة أهل المشاهدات ... وهكذا ـ ومن أسانيد كثيرة فى باب العبودية فى «الرسالة» ـ نلحظ أن الدرجة القصوى في الأمر هى (العبودة) ، والترتيب هنا يمشى هكذا آثار العبادة ، أنوار العبودية ، أقمار العبودية ، وهو ترتيب فى غاية الدقة ، يعطى كل درجة قدرها.
(١) وردت (فأبد) بدون تنوين.
(٢) تلقت النظر هنا إلى أهمية كلمة صفات البشرية ، أي أن المقصود ـ حسب مذهب القشيري ـ ليس سقوط البشرية فى حد ذاتها ، وإنما صفاتها المعلولة ، وينبغى أن يكون واضحا تمام الوضوح أن التصوف الإسلامى الحق ـ والقشيري من أفضل المعبرين عنه ـ لا يقول بأدنى تداخل بين البشرية والألوهية فالعبد عبد والرب رب.
(٣) ضبطنا ملك وملك مستفيدين من كلام القشيري فى كتابه «التحبير» ضمن اسم «الملك».