والقول الثقيل كشف الحقيقة ، وهو كشف عظيم مهيب يجعل الولدان شيبا ، وكيف لا والمكاشف يكاشف بأن فكره من فكر الله ، وأن حواره الذاتي حوار إلهي يجري فيه ، وأنه ليس إلا محلا لهذا الصوت والحوار ، ولهذا لما سمع النبي صوت جبريل ، وتحقق أنه صوته هو الجواني الذاتي فزع والتف بثيابه ، متصامما عن سماع ذلك الصوت ، متشككا فيه ، ولكن الله استمر في كشف الحجب في الليل الذي سطعت فيه أنوار التجلي ، حتى تحقق النبي الأمر ، وعرف أين الله ، وكيف يكون فيه بلا حلول ولا اتحاد ولا انفصال ، قال سقراط : الذي يحتاج إليه سقراط هو معه حيث توجه ، والنهار الحجب نفسها والعالم المادي ، وما دام الإنسان مشغولا بهذا العالم ، فهو مشغول عن سماع الصوت الحق ، محجوب عنه ، إلى أن يأذن الله بالفتح ، والملكوت ، وكنا ذكرنا مقام الربوبية الطالبة للمربوبين ، أو على الحقيقة لأسماء المربوبين وصفاتهم ، فالربوبية مرتبة تقتضي وجود عالم العيان والتعينات جميعا ، فهي الموجودة له ، المتصرفة فيه ، والفاعلة فيه ، ولها كل الجهات ، ولها الإلهام كله ، ولهذا كان الله رب المشرق ، مشرق الأنوار ، ورب المغرب ، مغرب الأنوار في أفق عالم العيان.
فمن كشف عنه الحجب فهو من المتقين ، أصحاب اليقين والموحدين ، ومن لم يكشف عنه ظل مثل فرعون أسير عالم العيان ، وصور عالم العيان ، وأشخاص عالم العيان ، وأحداث عالم العيان المتقلبة غير المستقرة على حال وعالم العيان ليس شيئا ، انه تكثف الذرات والموجات الصوتية والموجات الضوئية ليس غير .. ولهذا فإن الجبال الراسيات الشامخات الضاربات بجذورها في الأرض ليست إلا مثل الرمال كما وصفت في الآية ، والرمل كناية عن الذرات ، ومن كان على شاكلة فرعون ، وله نفس مثل نفسه الأمارة ، فهو مأخوذ من ناصيته ، إذ لله الإلهام فجورا وتقوى ، ففرعون عبد الله وإن جهل ذلك ، محكوم وإن أعلن أنه رب العالمين كما يفعل كل إنسان ينكر وجود الله ، فالإنسان عبد ، منسوف نسفا ، علم هذا أم لم يعلم من العدم وبالعدم وإلى العدم ، وهذا هو حكم الله عليه ، وتبقى ثلة من المؤمنين الموحدين ، على رأسهم رسول الله أول خلق الله ، ثم رسل الله ، ثم أولياء الله ، فللرسول ، ومن هم على شاكلته من الموحدين ، علم الحقيقة والخلود ، فهؤلاء هم الذين أقاموا الصلاة ، والرسول القائل : المصلون كثير والمقيمون قليل ، وهؤلاء هم الحجاج ، وعمر القائل : الركب كثير ، والحاج قليل ، وهؤلاء هم قارئو القرآن بحق ، علموا المتشابه والمحكم ، والناسخ والمنسوخ ، والبطن والظهر ، فهؤلاء هم المفلحون الناجون الواعون الذين هم بشهاداتهم التوحيدية قائمون ، والذين هم للوزن بالقسط مقيمون ، سبحانه خلقهم وهم في أصلاب آبائهم ، وفي عالم الذر ، موحدين ، متقين.