بغير الحق والظلم وأكل لحوم بعضهم بعضا ، راغبين عن النور الساطع في الديجور ، يدعوهم ليكونوا من الناجين ، ومن أهل النعيم.
ويشتكي نوح ربه قومه الذين انصرفوا عنه لا مبالين ، علما أنه لم يدخر وسعا بتذكيرهم بآيات الله في السماء والأرض ، لكن الناس عن رؤية الآيات غافلون ، قلوبهم عمي وأبصارهم ، وإذا عمي القلب عمي البصر ، فران على القلوب ما كانوا يكسبون ، ولقد طال على نوح الأمد وهو يلح في الدعاء ، وللضمير في القلب صوت مرنان ، يدق كالناقوس في كل آن ، داعيا الإنسان للانتباه من نوم الغفلة والنسيان ، حتى إذا ضاقت عليه أرض الأبدان ، ويئس من الإجابة توجه إلى الله ، مولاه ، يبثه همه.
ونوح أكثر الشكوى وأطال ، وهو يدعو ربه إلى أن يضع حدا لهذا الطغيان الذي أخذ الإنسان ، فالإنسان إن لم يلب داعي النور والضمير حيوان بل وأحط من حيوان.
فالله ما خلق الوجود إلا ليعبد ويعرف ، فمن عبد الله عرفه ، ومن عرفه فر إليه ، وعدل واتقى وعلم ، فتكون النتيجة أن يستوي الفلك على جبل الأبدان ، ويستوي على جبل رأس الإنسان ، فإذا الناجي قد كوشف ففهم كما فهم سليمان ، سر الزمان والمكان ، ونجا من الطوفان ، أما من اعتصم بعقله كما فعل ابن نوح ، فهو هالك لا محالة ، وأهله معه من قوى الأجهزة والحواس.
والسورة تؤكد أن معظم الناس هالكون ، وأن نوحا إذ رأى هذا دعا ربه أن يغرق عبدة أصنام الصور والأوثان ، إلا من لباه وأجاب دعوته من المؤمنين والمؤمنات ولوالديه الروح والنفس الكلية ، ولأهل بيت المعقولات الذين مثلوا هذه المعقولات ، وعملوا بإلهامها وهديها ، اللهم إجعلنا من أهل نوح ، وممن دخل بيته مؤمنا ، وممن ركب معه الفلك ، بعد أن حرر رقبته من نير عبادة الأوثان.